وكذلك أمرَ النبيُّ - ﷺ - بحفظِه وكَنِّه، فنهانا أن نسافرَ بالقرآنِ إلى أرضِ العدوِّ (١).
والواجبُ على كُلِّ أحدٍ أَلَّا يمسَّ القُرآنَ إلا مُتَطَهِّراً من الحَدَثِ والخَبَثِ؛ تعظيماً لحرمتِه، وتشريفاً وتكريماً لكرامتِه؛ فإنَّ الله -جلَّ جلالُه- وَصَفَهُ بأنهُ قرآنٌ كريمٌ، وأنه في كتابٍ مكنونٍ، وأنه لا يمُّسه إلا المُطَهَّرونَ، ثم أنزلَه على نَبيِّنا - ﷺ -، وجعلَه بين ظَهْرانينا، فكرمُه باقٍ عندَنا، وكنُّه واجبٌ علينا، ولا يمسُّه إلا المُطَهَّرون مِنَّا، فحرمتُه وكرامتُه باقيةٌ لا تزولُ.
ولا حُجَّةَ لِمَنْ أباحَ مَسَّهُ للمُحدِثِ؛ فإنَّ الله سبحانَهُ أعلمَنا أنَّه لا يمسُّه إلا المطهرونَ، فهلْ قال: ويمسُّه غيرُهم؟ فالآيةُ حجَّةٌ عليهم، لا لَهُم.
فإن قالوا: معنى الآيةِ الخبرُ، لا النهيُ كما هو لفظُها، وهذا لا يقتضي التَّحريمَ، فيرجعُ إلى الأصلِ، وهو الإباحةُ وبراءةُ الذمة.
قلنا: لفظُ الآيةِ الخبرُ، ومعناها النهيُ؛ بدليلِ قراءةِ مَنْ قرأَ: (لا يمسَّهُ) بفتح السين.
فإن قالوا: ذلكَ الكتابُ لا تنالُه غيرُ أيديهم.
قلنا: المرادُ بالكِتابِ هناكَ هو ما دلَّ على هذا القرآنِ المكتوبِ عندَنا، فالمكنونُ في ذاتِه شيءٌ واحدٌ، فالذي في السَّماءِ هوَ الذي في الأرض، ولا يجوزُ أن يكونَ مُحتَرَماً مكرَّماً في السَّماءِ، غيرَ محترَمٍ ولا مكرَّمٍ في الأرض (٢).
(٢) انظر: "المجموع" للنووي (٢/ ٨٩).