* ولمّا رأى الباقونَ أَنَّ مُرادَ المُتَظاهِرِ بالظِّهارِ تحريمُ الزوجةِ على نَفْسِه وَطْئاً أَوْ إمْساكاً، وأَنَّه إذا حَقَّقَ ما أرادَهُ من تَحْريِمها بالطلاقِ عَقِبَ الظِّهارِ، فلا كَفَّارَةَ عليه، جَعَلوا عَوْدَ المُتَظاهِرِ نَقْضَ ما قالَ من التحريمِ (١).
وتكونُ اللامُ بمعنى (في) أي: فيما قالوا؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧] أي: في يوم القيامة، وكما في قوله تعالى: ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧].
واختلفوا في تعيينِ هذا النَّقْضِ: فقالَ مالكٌ -في رواية-: العودُ هُوَ الوطْءُ نفسُه (٢)، تشبيها له بالحِنْثِ في اليمين، فكما لا تجبُ الكَفَّارَةُ إلا بالحِنْثِ، لا تجبُ الكَفَّارةُ في الظِّهار إِلاّ بالوطْءِ (٣).
وهذا القولُ باطلٌ؛ لأنَّ الله سبحانَهُ أوجبَ الكَفّارَةَ من قبلِ أَنْ يَتَماسَّا، فلو كانَ العَوْدُ هوَ الوطْءُ لوجبَ الشيءُ قبلَ وُجوبِهِ، فدلَّ على أن الَّذي تجبُ بهِ الكَفَّارَةُ أمرٌ غيرُ الوطْءُ.
والروايةُ المشهورةُ الصحيحةُ أنَّ العَوْدَ هو إرادةُ الوطْءِ، لا الوطْء (٤)، وبهذا قالَ أبو حنيفةَ، وأحمدُ؛ لأنه عادَ فيما قالَ من تحريمِ المرأة (٥).
وقال الشافعيُّ: العَوْدُ هو إمساكُ المرأةِ بعدَ الظِّهارِ زمانًا يمكِنُ فيه

(١) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٠/ ٤٤٣)، و"المبسوط" للسرخسي (٦/ ٢٢٤)، و"أحكام القرآن" لابن العربي (٤/ ١٩٢).
(٢) "نفسه" ليس في "ب".
(٣) انظر: "الكافي" لابن عبد البر (١/ ٢٨٣)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٧/ ٢٨٠).
(٤) انظر: "المدونة الكبرى" (٦/ ٦٥)، و "أحكام القرآن" لابن العربي (٤/ ١٩٢).
(٥) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ٣٠٢)، و"المغني" لابن قدامة (٨/ ١٣).


الصفحة التالية
Icon