الضربُ الأول: ما تركهُ المشركون خَوْفًا من المسلمين؛ كما فعلَ بنو النضير، فهذا كانَ لرسولِ اللهِ - ﷺ - في حياتِه.
روينا في "صحيح البخاري" عن مالكِ بنِ أوسِ بنِ الحدثانِ: أن عمرَ بنَ الخَطَّابِ -رضيَ اللهُ تعالى عنه - دعاه إذ جاءه حاجبه يرفأ، فقال: هل لكَ في عُثمانَ، وعبدِ الرحمنِ، والزبيرِ، وسعدٍ يستأذنون؟ قال: نعم، فأدخلهم، فلبثَ قليلاً، ثم جاءَ فقالَ: هل لكَ في عَبّاسٍ وعَلِيٍّ يستأذنان؟ قال: نعم، فلما دخلا، قال عباس: يا أميرَ المؤمنين! اقْضِ بيني وبينَ هذا، وهما يَخْتَصمان في التي أفاءَ اللهُ على رسولهِ من بني النضيرِ، فاسْتَبَّ عليٌّ وعباسٌ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهما -، فقالَ الرهطُ: يا أميرَ المؤمنين! اقضِ بينَهما، وأَرِحْ أحدَهُما من الآخَرِ، فقالَ عمرُ: اتئدوا، وأَنْشُدُكُمْ (١) بالذي بِإذْنِه تقومُ السماواتُ، هل تعلمونَ أَن رسولَ اللهِ - ﷺ - قال: "لا نُورثُ ما تركنا صدقة" يريدُ بذلكَ نفسَه؟ قالوا: قدْ قال ذلكَ، فأقبلَ عمرُ على عليٍّ وعباسٍ، فقال: أنشدكم بالله هل تعلمانِ أنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - قد قال ذلك؟ قالا: نعم، قال: فإني أحدثُكم عن هذا الأمرِ، إنَّ اللهَ كانَ خَصَّ رسولَ الله - ﷺ - في هذا الفيءِ بشيءٍ لم يعطِهِ أحدًا غيرَه، فقال: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ إلى قوله: ﴿قَدِيرٌ﴾ [الحشر: ٦]، فكانت هذهِ خالصةً لرسولِ اللهِ - ﷺ -، واللهِ ما اختارَها دونَكُم، ولا استأثَرَ بِها عليكم، لقدْ أعطاكُموها، وقَسَمَها فيكم حتى بقيَ هذا المالُ منها، فكان رسولُ اللهِ - ﷺ - ينفقُ على أهلهِ نفقةَ سنتهِ من هذا المالِ، ثم يأخذُ ما بقي فيجعلُه مَجْعَلَ مالِ اللهِ، فعملَ بذلكَ عليهِ في حياتهِ، ثم تُوُفِّيَ رسولُ الله - ﷺ -، فقال أبو بكرٍ: فأنا وليُّ رسولِ الله - ﷺ -، فقبضَه أبو بكرٍ فعملَ بهِ بما عَمِل رسولُ اللهِ - ﷺ -، وأنتم حينئذ، وأقبل على علي وعباسٍ: