تذكران أنَّ أبا بكرٍ عمل فيه كما تقولان، واللهُ أعلمُ إنه فيه لَصادقٌ بارٌّ راشدٌ تابعٌ للحَقِّ، ثم تَوَفَّى اللهُ أبا بكر، فقلتُ: أنا وليُّ رسولِ اللهِ - ﷺ - وأبي بكرٍ، فَقَبَضْته سنتين من إمارتي، أعملُ فيه بما عملَ رسولُ اللهِ - ﷺ - وأبو بكر، واللهُ يعلم إني فيه لَصادقٌ بارٌّ راشدٌ تابع، ثم جِئْتُماني كلاكُما، وكلمتكُما واحدةٌ، وأمركما جميعًا، فجئتني -يعني عباسًا- فقلت لكما: إن رسولَ اللهِ - ﷺ - قال: "لا نورثُ ما تركناهُ صدقةٌ"، فلما بدا لي أنْ أدفعَه إليكما، قلتُ: إن شئْتَ دفعتُه إليكُما على أنَّ عليكُما عهدَ الله وميثاقَه لتعملانِ فيه بما عملَ رسولُ الله - ﷺ - وأبو بكرٍ، وما عملتُ فيه منذ وليتُ، وإلَّا فَلا تُكَلِّماني، فقلتما: ادفعْه إلينا بذلكَ، فدفعتُه إليكما، أفَتَلْتَمِسانِ مني قضاءً غيرَ ذلكَ؟ فواللهِ الذي بإذنهِ تقومُ السماواتُ والأرضُ لا أقضي فيهِ بقضاءٍ غيرِ ذلكَ حتى تقومَ الساعَةُ، فإن عَجَزْتُما عَنْه، فادفعاه إليَّ؛ فإني أكفيكُماه (١).
فإنْ قلتَ: فهل يدلُّ القرآنُ على أن النبيَّ - ﷺ - كان يملكُ كلَّ الفيءِ، أو يملكُ أربعةَ أخماسِهِ وخُمُسَ خُمُسِهِ، أو يملكُ خُمُسَهُ فقطْ، وأربعةُ أخماسِه لمن سَمّى اللهُ تعالى من ذَوي القربى واليتامى والمساكينِ وابنِ السبيل؟
قلت: أما الاحتمالُ الثالثُ، فلم يقلْ به أحدٌ علمتُه، وإن كانَ لفظُ القرآن يحتملُه (٢).

(١) رواه البخاري (٢٩٢٧)، كتاب: الخمس، باب: فرض الخمس، ومسلم (١٧٥٧)، كتاب: الجهاد والسير، باب: حكم الفيء.
(٢) عزاه الماوردي في "الحاوي الكبير" (٨/ ٣٨٩) إلى الإِمام مالك، لكن نص الإِمام مالك كما في "المدونة الكبرى" (٣/ ٢٦) أن الفيء والخمس سواء يجعلان في بيت المال.


الصفحة التالية
Icon