أهداهُ أن يُؤْخَذَ من كُلِّ جزورِ بَضْعَةٌ، فطُبختْ، ثم أكلَ من لحمِها، وحسا من مَرَقِها (١).
فأما الأكلُ، فحملَهُ جمهورُ أهلِ العلمِ على الاستحبابِ (٢)، وحكي عن بعضِ السَّلَفِ أنهُ واجبٌ (٣) الأَكْلُ منها حَمْلًا للأمرِ على حقيقتِه، واقتداءَ بفعلهِ - ﷺ - (٤)، والحِكْمَةُ فيه مُخالَفَةُ الجاهِلِيَّةِ في تَحَرُّجِهِم من أكلِ ذبائِحِهم، وبهذا قالَ أبو الطيبِ بنُ سلمةَ من الشافعيةِ (٥).
وأما الإطعامُ، فحمله ابنُ سريج من الشافعيةِ على الاستحبابِ، والصحيحُ عندَهم إطلاقُ الوُجوب، فيجبُ أن يتصدقَ بما يقعُ عليهِ اسمُ الصدقة (٦).
واختلفَ قولُ الشافعيِّ في القَدْرِ المُسْتَحَبِّ؛ لإطلاقِه في الكتاب والسُّنَةِ، فقالَ في أَحَدِ القولين: يتصدقُ بالنصفِ؛ استئناساً بقوله: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: ٢٨].
[وقال في الآخر: يتصدق بالثلثين (٧)، استئناسًا بقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ (٨) [الحج: ٣٦]، وهذا في هَدْيِ التَّطَوُّعِ، وأما

(١) رواه ابن أبي حاتم عن جابر بنحوه كما في "الدر المنثور" للسيوطي (٦/ ٣٩).
(٢) انظر: "الاستذكار" (٥/ ٢٣٣ - ٢٣٤).
(٣) "أوجب" ليس في "أ".
(٤) انظر: "المحلى" لابن حزم (٧/ ٢٧٠).
(٥) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ١١٧).
(٦) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ٦٨)، و "المجموع" للنووي (٨/ ٣٠٦)، و "مغني المحتاج" للشربيني (٤/ ٢٩١).
(٧) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١٥/ ١١٦ - ١١٧)، و"المجموع" للنووي (٨/ ٣٠٦)، و"مغني المحتاج" للشربيني (٤/ ٢٩٠).
(٨) ما بين معكوفتين ليس في "ب".


الصفحة التالية
Icon