ومستندُ القولَيْن أن النهيَ في الشيءِ الحلالِ هل يقتضي فَسادَ المنهيِّ عنه، أولاً؟ وفي ذلك خلافٌ بينَ أهلِ العلمِ بالنظرِ وشرائطِ الاستدلال.
* * *
٢٥٤ - (٢) قوله جَلَّ جَلالهٌ: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الجمعة: ١٠].
* أمرَ اللهُ سبحانَهُ بالانتشارِ، والأمرُ إمّا محمولٌ على الإباحةِ، أو على الاستِحباب (١)؛ لما فيهِ من فَصْلِ النافلةِ عن الفريضةِ، وذلك مستحبٌّ (٢)؛ لمِا روينا في "صحيح مسلم" عن السائبِ بن يزيدَ قال: صليتُ معَ معاوية الجمعةَ في المَقْصورة، فلما سلمتُ قمتُ، من مَقامي فصليتُ، فلمَّا دخلَ، أرسلَ إليَّ فقالَ: لا تَعُدْ لِما فعلتَ، إذا صَلَّيْتَ الجمعةَ، فلا تَصِلْها بصلاةٍ حتَّى تتكلمَ أو تخرجَ؛ فإن نبيَّ اللهِ - ﷺ - أمرَنا بذلك أَلَّا نُوصِلَ صلاةً بصلاةٍ حتى نتكلمَ أو نخرجَ (٣).
ورويَ عن ابنِ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- في تطوُّعِ النبيِّ - ﷺ - قال: وكانَ لا يصلِّي بعدَ الجمعةِ حتَّى ينصرفَ، فيصلي رَكْعتين في بيته (٤).
وأمَّا حملُه على الوجوبِ فلا يجوزُ؛ لِما رُوي: أن النبيَّ -صَلَّى الله عليه وسلم - جلسَ بعدَ الجمعةِ لوفدٍ قدموا عليه (٥).

(١) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٧/ ٢٨٣)، و "المستصفى" للغزالي (ص: ٦١).
(٢) انظر: "المغني" لابن قدامة (٢/ ١٠٩)، و "المجموع" للنووي (٣/ ٤٥٥).
(٣) رواه مسلم (٨٨٣)، كتاب: الجمعة، باب: الصَّلاة بعد الجمعة.
(٤) رواه البُخاريّ (٨٩٥)، كتاب: الجمعة، باب: الصَّلاة بعد الجمعة وقبلها، ومسلم (٨٨٢)، كتاب: الجمعة، باب: الصَّلاة بعد الجمعة.
(٥) انظر: "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (٢/ ٥٢٣).


الصفحة التالية
Icon