قال الشافعيِّ: ولم أعلمْ مُخالفاً أنها نزلت في خُطْبَةِ النبيِّ - ﷺ - (١).
فإن قلتَ: فقد روى البخاريُّ في "صحيحه" عن جابرِ بنِ عبد اللهِ -رضي الله تعالى عنهما- قالَ: بينما نحنُ نصلّي مع النَّبي -صَلَّى الله عليه وسلم -، إذ أقبلتْ عِيرٌ تحملُ طَعاماً، فالتفتوا إليها، حتَّى ما بقيَ معَ رسولِ الله -صَلَّى الله عليه وسلم - إلَّا اثنا عَشَرَ رجلًا، فنزلت هذه الآية: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾ (٢) [الجمعة: ١١].
قلتُ: قولُ جابرٍ مُؤَوَّلٌ على أنَّه أرادَ بالصَّلاةِ الخُطْبَةَ، أو انقضاءَ الصلاةِ؛ بدليلِ قولهِ - ﷺ -: "فإن أَحَدَكُمْ في صَلاة ما دامَ يعمدُ إليها" (٣)، وهذا هوَ اللائق بحالِ الصَّحابَةِ -رضيَ اللهُ تَعالى عنهم- فإنهم لا يقطعونَ الصّلاةَ بعدَ الدخولِ فيها.
وقال الفاسي (٤): ذَكَرَ أبو داودَ في "مراسيلِه": أنَّ خطبةَ النبيّ -صَلَّى الله عليه وسلم - هذه التي انْفَضُّوا منها إنَّما كانَتْ بعدَ صلاةِ الجمعةِ، وظنوا أنهم لا شيءَ عليهم في الانْفِضاضِ عن الخطبةِ، وأنه قبلَ هذهِ القصَّةِ إنَّما كان يُصَلِّي قبلَ الخُطبة (٥).
قال القاضي عِياضٌ: وهذا أشبهُ بحالِ الصّحابة -رضي اللهُ تَعالى عنهم- والمَظْنون بهمَ أنهم ما كانوا يدعونَ الصلاةَ مع النبيّ - ﷺ -، ولكنهم ظَنُّوا
(٢) رواه البُخاريّ (٨٩٤)، كتاب: الجمعة، باب: إذا نفر النَّاس عن الإمام في صلاة الجمعة، فصلاة الإمام ومن بقي جائزة، عن جابر بن عبد الله.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) في "شرح مسلم" للنووي (٦/ ١٥١): "القاضي" بدل "الفاسي"، ولعلّه الصواب.
(٥) انظر: "المراسيل" لأبي داود (٦٢).