الحواملِ لا نفقةَ لهنَّ، حتَّى الرجعيةُ، ولكنه خرجَ من عموم هذا المفهومِ الرجعيةُ بالإِجماع، وأكدَ دلالةَ قولِه -صَلَّى الله عليه وسلم -: "ليسَ لك عليهِ نَفَقَةٌ".
وأجمعوا على أن الحاملَ تستحقُّ النفقة حتَّى تَضَعَ حَمْلَها على كلِّ حال، وإذا وجبتْ لها النفقةُ، فقدْ وجبتْ لها السُّكْنى؛ لأنَّ النفقةَ تابعةٌ للسُّكْنى، والتابعُ يستلزمُ وجودَ المَتْبوعِ (١).
ثم اختلفَ قولُ الشافعيِّ هَلِ النفقةُ للحَمْلِ؛ لأنَّ المطلقةَ البائنَ لا تستحقُّ نفقةً، أو للحاملِ بسببِ الحَمْل؛ لإضافةِ الوجوبِ إليها؟ وهذا هو الراجحُ من قوله (٢).
* إذا تَمَّ هذا، وعلمتم أن عِدَّة الحوامِل أنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ، سواءٌ كُنَّ مُطَلَّقاتٍ، أو مُتَوَفى عنهن؛ كما تقدمَ بيان ذلكَ في "سورةِ البقرةِ"، وأنَّ الحوامِلَ يستحققْنَ النفقةَ، فهل استِحْقاقُهُنَّ على كُلِّ حالٍ، سواءٌ كُنَّ مُطَلَّقاتٍ أو مُتَوَفى عنهن، كَما أنَّ هذا حُكْمُهُنَّ في العِدَّةِ؛ تقديماً لعمومِ هذهِ الآيةِ على عُمومِ آيةِ البقرةِ، فكذلك يطلَقُ عُموم هذهِ الآيةِ في الحواملِ، فيجب في الحاملِ المُتَوَفَّى عنها النفقةُ حَتَّى تضعَ، أو أَنَّه خاصٌّ بالمطلقة؟
قلنا فيه للسلفِ مذهبان:
أحدهما: التعميمُ؛ لهذهِ الآيةِ وإيجاب النفقةِ للحاملِ المتوفَّى عنها، ويروى عن عَلِيٍّ، وابنِ عمرَ، وشُرَيْحٍ، والشعبيِّ، والنَّخَعِيِّ، وابنِ سيرينَ، والثوريِّ (٣).

(١) انظر: "تفسير الطبري" (٢٨/ ١٤٦)، و "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ١٤٥).
(٢) انظر: "الحاوي الكبير" للماوردي (١١/ ٣٠٩)، و "روضة الطالبين" للنووي (٨/ ٣٩١).
(٣) انظر: "السنن" لسعيد بن منصور (١/ ٣٦٦ - ٣٦٨)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (٣/ ١٨٥).


الصفحة التالية
Icon