تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]، فجعلَ الحَرام حَلالاً، وجعلَ في اليمين كَفَّارَةً (١) (٢).
إذا تقررَ هذا، فالذين قالوا: إنَّ التحريمَ يمينٌ بكلِّ حالٍ، ولم يذكروا عن النَّبي -صَلَّى الله عليه وسلم - يميناً غيرَ التحريم، أَوْجَبوا فيه كفارةَ يمينٍ بكلِّ حالٍ، وإن نَوى الطلاقَ، أو الظِّهارَ أو التحريم، فلا شيءَ إلَّا كفارَةُ يمينٍ.
وهو ظاهِرُ القرآنِ، وهذا مذهبُ ابنِ عباسٍ وجماعَةٍ من التّابعين.
روينا في "صحيح البخاري" عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ أَنَّه سمعَ ابنَ عباسٍ يقولُ: إذا حَرَّمَ امرأته، ليسَ بشيء، وقالَ: لقدْ كانَ لكمْ في رَسولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (٣).
وفي "صحيحِ مسلم" عن ابن عباسٍ -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- قال: إذا حَرَّمَ الرجلُ امرأتهُ فهيَ يمين يُكَفِّرُها (٤).
والذين قالوا: صدرَ منهُ يمين كما وردَ في بعضِ ألفاظِ البُخاري، اختلفوا.
فمنهم من رآه كَذِباً، فهو كتحريمِ الماءِ، فلا شيءَ عليهِ؛ لقوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧].

(١) رواه التِّرمذيُّ (١٢٠١)، كتاب: الطلاق واللعان، باب: ما جاء في الإيلاء، وابن ماجه (٢٠٧٢)، كتاب: الطلاق، باب: الحرام، وابن حبان في "صحيحه" (٤٢٧٨)، والبيهقيّ في "السنن الكبرى" (٧/ ٣٥٢)، عن مسروق، عن عائشة.
(٢) روي عن مسروق موقوفاً عليه. انظر: "المدونة الكبرى" (٣/ ١٠٦)، و "تفسير الطبري" (٢٨/ ٢٥٦)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (٧/ ٣٥٢).
(٣) رواه البُخاريّ (٤٩٦٥)، كتاب: الطلاق، باب: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾.
(٤) رواه مسلم (١٤٧٣)، كتاب: الطلاق، باب: وجوب الكفارة على من حرم امرأته ولم ينو الطلاق.


الصفحة التالية
Icon