ويروى عنهُ مثلُ قولِ مالِكٍ الأَوَّلِ (١).
وقيل: يقعُ به في المدخولِ بها ثلاثٌ، وفي غيرِ المدخولِ بها واحدةٌ، وبه قال أبو مُصْعَبٍ، ومحمدُ بنُ الحَكَم المالكيان (٢)، ونُقِلَ عن مالكٍ قولٌ أنَّه يقعُ به طلقة واحدةٌ بائنةٌ سواءٌ المدخولُ بها وغيرُها (٣)، وهو ضعيفٌ مخُالِفٌ لقواعدِه؛ فإنَّه إنَّما ذهبَ إلى إيقاعِ الثلاثِ في الكناية الظاهرة، وإن كانَ لا يوقعُ الثلاثَ باللفظِ الصريحِ؛ لأنَّ الظاهرَ من هذهِ الألفاظِ البَيْنُونة، والبينونةُ لا تحصلُ إلَّا بالثلاثِ، أو بعِوَضٍ، ولم يكنْ هناك عِوَضٌ، فتعينَ الثلاثُ، وأمَّا البينونةُ بطلقةٍ واحدةٍ بغيرِ عِوَضٍ، فغيرُ معروفٍ في الشرع.
وقال عبدُ العزيز بنُ سَلَمَةَ المالكي: تقعُ بهِ طلقة رجعيةُ (٤)، وهو مخالفٌ لمذهبِ مالكٍ في الكنايةِ الظاهرة.
وذهب أبو حنيفةَ إلى أَنَّه إن نَوى الطلاقَ، وقعتْ طلقة واحدةٌ، بائنةٌ، وكذا إن نَوى ثلاثاً أو اثنتين، فلا تقعُ إلَّا واحدةٌ (٥)، وهذا على أصله أَنَّ الطلاقَ بالكِناية لا يقعُ إلَّا بالنيَّةِ، وأنه إذا نَوى العددَ بالطَّلْقَةِ الواحدةِ، فلا يفيد العدد.
وأمَّا كونُها بائنةً، فلأنّ المرادَ بهذا اللفظ قطعُ العصمة، وقطعُها لا يحصُل إلَّا بالبينونة، ولم تكن ثلاثَ تطليقاتٍ، ولا اللفظُ يصلحُ للثلاثِ عنده، فجعله طلقةً بائنةً، وإن لم ينوِ شيئاً، فهو يمين، وإن نَوى الكَذِبَ، فَلَغْوٌ.
(٢) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٨/ ١٨٢)، و "شرح مسلم" للنووي (١٠/ ٧٤).
(٣) انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١٨/ ١٨١).
(٤) انظر: "الاستذكار" لابن عبد البر (٦/ ١٨).
(٥) انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (٥/ ٣٦٣)، و "المبسوط" للسرخسي (٦/ ٧٠).