فليَرْجُمها (١)، ولم يأمرْهُ بجلدِها، ومعلومٌ أنَّ حديثَ عُبادَةَ قَبْلَهُما؛ لقولهِ - ﷺ -: "خُذُوا عَني، خُذُوا عَني، قَدْ جعلَ اللهُ لَهُن سَبيلاً"، فيكونُ مَنْسوخاً.
فإن قلتَ: لا يجوزُ نَسْخُ حديثِ عُبادة بما روي من فِعْلِ النبيِّ - ﷺ -، وبحديثِ أُنَيْسٍ؛ لأنَّ النبيَّ - ﷺ - أخبرَ عنِ اللهِ سُبْحانه أَنَّه قدْ جعلَ لهن سبيلاً، والسبَّيلُ الذي جَعَلَهُ في كتابِه الذي ثبَتَ رَسْمُهُ وحُكْمُهُ جَلْدُ مِئةٍ، والسَّبيلُ الذي جَعَلَهُ فيما نُسِخَ لفظُه وبقيَ حكمُه الرَّجْمُ للشيخ والشيخَةِ، فيجبُ حينئذِ جَلْدُ المُحْصَنِ ورَجْمُهُ بالآيتينِ، ويجبُ جلدُ غيرِ المُحْصَن بإحدى الآيتين، وقد تقرَّرَ عندَ المُحَقِّقين من أهلِ النظر أَن السُّنَةَ لا تنسَخُ الكِتابَ، فلو جازَ نسخُ حديثِ عُبادةَ، لجازَ نَسْخُ الكِتابِ؛ لأنه مُخْبِرٌ عنِ اللهِ سبحانه.
قلنا: يجوز نسخه؛ لأنَّ النبيّ - ﷺ - لم يُخْبِرْنا أنَّ اللهَ سبحانَهُ أنزلَ ذلكَ في كتابِه وجَعَلهُ سبيلاً للزُّناة في القرآنِ، وإنما أخبرَ أنَّ اللهَ تَعالى جعلَهُ سَبيلاً لهم، والظاهرُ أنه بِوَحْي منه سبحانَهُ، لا بقرآنِ أنزلَهُ؛ بدليلِ قولهِ - ﷺ -: "خُذُوا عَني"، فأضاف الأَخْذَ إليه - ﷺ -، وبدليلِ ذكرِهِ للتَّغْريب، ولمْ يكنْ فيما أنزلَ اللهُ من القرآنِ، فحينئذِ يكونُ القرآنُ نزل بعدما أعلمَهُ اللهُ بشرعهِ وَحْياً، وبعدَ أَنْ نسخَ ما تضمَّنَهُ حديثُ عُبادة، واستقرَّ الحُكْمُ والشرعُ على عمله - ﷺ -.
فإن قلتَ: لو تَمَّ هذا، أو صَحَّ (٢)، لَزِمَكَ (٣) أَنْ تجعلَ السُّنَةَ، وهيَ حديثُ عُبادَةَ، ناسِخَة للكتابِ من قوله تَعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ
(٢) "أو صح" ليس في "ب".
(٣) في "ب": "للزمك".