حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: ١٥]، فتكونَ فارًّا مِنْ نَسْخِ الكتابِ بالسنَّةِ إلى نَسْخِ الكتابِ بالسنَّةِ.
قلتُ: قد بَيَّنْتُ في "سورةِ النساءِ" أَنَّ آيةَ الحَبْسِ لَيْسَتْ بمنسوخةٍ، لا بكتابٍ، ولا سُنَةٍ، وإنَّما هي مُبَيِّنَةٌ؛ خِلافاً لما تَوَهَّمهُ أبو عبدِ اللهِ الشافعيُّ وكثيرٌ من الناسِ معهُ، وهذا تحقيقٌ عزيزٌ، فاسْتَمْسِكِ به، هداك اللهُ الكريمُ وإيّانا، وللهِ الحَمْدُ رَبِّ العالمين.
* إذا تَمَّ هذا، فقد أجمعوا على تَخْصيص عُمومِها بأنَّ حَدَّ الأَمَةِ خَمسونَ جلدةً؛ لقوله تعالى ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ [النساء: ٢٥].
* واختلفوا في تَخْصيصِ عُمومها بتقييدِ قولي تَعالى: ﴿وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ﴾ [النساء: ١٦]، وقد تقدَّمَ الكلامُ عليه في "سورةِ النساء".
* وكذلك اختلفوا في وُجوبِ التغريبِ مع الجَلْدِ:
فأوجَبَهُ الشافعيُّ (١)؛ لحديث عُبادةَ بنِ الصَّامِتِ وأَبي هُريرةَ وزَيْدِ بنِ خالدٍ الجُهَنِيِّ، ولثبوتِه عن أبي بكرٍ وعمرَ، وعُثمان، وعَليٍّ، وعبدِ الله، وأَبي الدَّرْداءِ -رضي الله تَعالى عنهم -.
ومنعه أبو حنيفةَ وأصحابهُ بناءً على أصلِهم من أنَّ الزيادَةَ على النَّصِّ نَسْخٌ، والكتابُ لا يُنْسَخُ بخبرِ الواحِد (٢)، وبأنَّ عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه -
وهو مذهب الإمام أحمد، انظر: "المغني" لابن قدامة (٩/ ٤٥)، و"كشاف القناع" للبهوتي (٦/ ٩١).
(٢) انظر: "الهداية" للمرغيناني (٢/ ٩٩)، و"بدائع الصنائع" للكاساني (٧/ ٣٩)، لكن يجمع بينهما إذا رأى الإمام مصلحة في ذلك.