أحدهما: عدمُ التعارُضِ من وَجْهين أيضًا (١):
أحدهما: أن الأمرَ بإنكاحِ الأيامى لا يُعارِضُ إنكاحَ الزانيةِ بالزاني؛ فإنا إذا أنكَحْنا الزانيةَ بالزاني، فقدِ امتثلْنا أمرَ اللهِ تعالى، وأنكحْنا أَيِّماً من أيامانا.
وثانيهما: أن الآية الأولى نهيٌ عن النكاح، والآية الثانية أمرٌ بالإنكاحِ، والإنكاحُ غيرُ النكاح.
والثاني: أن النسخَ لا يكونُ إلا بخبرٍ عنِ النبيِّ - ﷺ -، وعِلْم بالمتأخِّرِ منهما، أو بإجماعٍ من عامَّةِ أهلِ العلمِ يدلُّ على الناسخُ منهما، وليسَ هذا بواحدٍ منهما.
ومنْ أهلِ العلمِ مَنْ وَقَفَها على سبَبِها، فقالَ: نزلتْ في قومٍ من فُقَراءِ المُهاجرين هَمُّوا أن يَتَزَوَّجوا بَغايا كُنَّ بالمدينة لَهُنَّ راياتٌ، فأنزلَ اللهُ تحريمَ ذلكَ (٢)؛ لأنهنَّ كُنَّ زانياتٍ ومشركاتٍ، وبينَ أنه لا يتزوَّجُ بهنَّ إلا زانٍ أو مشركٌ، وأن ذلكَ حرامٌ على المؤمنين.
ورُويَ أسبابٌ أُخَرُ في نُزولِها بمثلِ هذا المعنى (٣).
ومنهم مَنْ تَأَوَّلَها، وقالَ: خرج هذا النهيُ مخرجَ الذَّمِّ والتَّحقيرِ للزُّناةِ، والتشريفِ لذَوي العِفَّةِ، فهوَ كقولهِ تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾ [النور: ٢٦]، وهذا أحسنُ، وأَحْسَنُ منهُ ما رُوي عن ابن عباس (٤) -رضي الله تعالى عنهما -: أنَّ المُرادَ

(١) "أيضًا" ليس في "أ".
(٢) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٥/ ١١)، و"المصنف" لابن أبي شيبة (١٦٩٢٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٨/ ٢٥٢٢)، عن عروة بن الزبير.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" (١٨/ ٧٠) وما بعدها.
(٤) في "ب" زيادة: "وعكرمة".


الصفحة التالية
Icon