تعالى، وإن كانت رؤيةُ الرَّبِّ -تعالى- أعظمَ من رؤية جبريل ومَنْ دُونه، فإنَّ النُّبوَّة لا يتوقف (١) ثبوتها عليها أَلْبتَّة.
ثُمَّ نزَّهَ رسولَيه كليهما -أحدَهُما بطريق النُّطْق، والثاني بطريق اللُّزُوم- عمَّا يضادُّ مقصودَ الرسالة من الكتمانِ الذي هو الضِّنَّةُ والبخلُ، والتبديلِ والتغييرِ الذي يوجب التهمة، فقال: ﴿وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (٢٤)﴾ [التكوير: ٢٤]، فإنَّ الرسالة لا يتمُّ مقصودُها إلا بأمرين:
١ - أدائها من غير كتمان.
٢ - وأدائها على وجهها من غير زيادةٍ ولا نقصانٍ.
والقراءتان كالآيتين، فتضمَّنت إحداهما -وهي قراءة الضَّاد (٢) - تنزيهه عن البخل، فإنَّ "الضَّنِين": البخيل، يقال: ضَنِنْتُ به أَضَنُّ، بوزن (بَخِلْتُ به أَبْخَلُ) ومعناه (٣). ومنه قول جميل بن مَعْمَر (٤):

(١) بعده في (ز) زيادة: على!
(٢) قرأ بها: عاصم، ونافع، وحمزة، وابن عامر. قال ابن الجزري: "وكذا هي في جميع المصاحف".
انظر: "النشر" (٢/ ٣٩٩)، و"علل القراءات" للأزهري (٢/ ٧٥٠).
(٣) "أَضَنُّ" أصلها: أَضْنَنُ، على وزن (أَبْخَلُ)، ثم شُدِّدت النُّون فصارت: أَضْنُّ، فلما اجتمع الساكنان -الضَّاد والنُّون- احتيج إلى تحريك الضَّاد، وفي تحريكها لغتان صحيحتان:
١ - الكسر؛ فتقول: "أَضِنُّ".
٢ - والفتح؛ فتقول: "أَضَنُّ"، وهو اللغة العالية كما قال ابن سيده.
انظر: "مفردات الراغب" (٥١٢)، و"الأفعال" للسرقسطي (٢/ ٢٢٢)، و"لسان العرب" (٨/ ٩٤).
(٤) وكذا نسبه إليه الأمير أسامة بن منقذ في "لباب الآداب" (٢٤٠)، ولم أجده في =


الصفحة التالية
Icon