وهل سَوَّىَ الله -سبحانه- في فِطَر النَّاس، أو عقولهم، أو شرائعهم، بين نسبة المشيئة والإرادة إلى الفعل، ونسبة سائر أعراض الحَيِّ إذ كان -عندك (١) - إلَّا مجرَّدَ الاقتران عادةً؟ والاقترانُ العادِيُّ حاصِلٌ مع الجميع.
وأمَّا القَدَرِىُّ فتحريفه أشَدُّ؛ لأنَّه حَمَلَ المشيئةَ على الأمر وقال: المعنى: وما تشاؤون إلا أنْ يأمر الله! وهذا باطلٌ قطعًا، فإنَّ المشيئة في القرآن لم تُستعمل في ذلك، وإنَّما استُعمِلت في مشيئة التكوين كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ [الأنعام: ١١٢]، وقوله: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا﴾ [البقرة: ٢٥٣]، وقوله: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا﴾ [السجدة: ١٣]، وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [الرعد: ٣١]، ونظائر ذلك؛ ممَّا لا يصحُّ فيه حمل المشيئة على الأمر أَلْبَتَّة.
والذي دلَّت عليه الآية مع سائر أدلَّة التوحيد، وأدلَّة العقل الصريح؛ أنَّ مشيئة العباد من جملة الكائنات التي لا توجد إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، فما لم يشأ لم يكُن أَلْبَتَّةَ، كما أنَّ ما شاء كان ولابدَّ.
ولكن هاهنا أمرٌ يجب التنبيه عليه؛ وهو أنَّ مشيئة الله -سبحانه- تارةً تتعلَّق بفعله، وتارةً تتعلَّق بفعل العبد.
فتعلُّقها بفعله -سبحانه- هو أن يشاء من نفسه إعانةَ عبده، وتوفيقَهُ، وتهيئتَهُ للفعل، فهذه المشيئة تستلزم فعل العبد ومشيئته، ولا يكفي في وقوع الفعل مشيئةُ الله لمشيئة عبده، دون أن يشاء فعله، فإنَّه-

(١) ساقط من (ز).


الصفحة التالية
Icon