أَحَدَ النَّوعين من الآخر (١) بـ"الواو"، وجعل ما هو تابعٌ لكلِّ نوعٍ بعده بـ"الفاء".
وتأمَّلْ كيف وقع القَسَمُ في هذه السورة على المَعَاد، والحياة الدائمة الباقية، وحالِ السعداء والأشقياء فيها، وقرَّرَها بالحياة الأُولَى في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠)﴾ [المرسلات: ٢٠]، فذكر فيها المبدأ والمَعَاد، وأخلَصَ السورةَ لذلك، فَحَسُنَ الإقسامُ بما يحصل به نوعَا الحياة المشاهَدة، وهو: الرِّياح، والملائكة. فكان في القَسَم بذلك أَبْيَنُ دليلٍ، وأَظْهَرُ آيةٍ على صحة ما أقسَمَ عليه وتضمَّنته السورة. ولهذا كان المكذِّبُ بعد ذلك في غاية الجحود والعناد والكفر والتكذيب، فاستحقَّ الويلَ بعد الويلِ، فتَضَاعَفَ عليه الويلُ، كما تضاعف منه الكفر والتكذيب.
فلا أحسنَ من هذا التَّكْرَار في هذا الموضع، ولا أعظم موقعًا، فإنَّه تكرَّرَ عشر مراتٍ (٢)، ولم يذكر إلا في أَثَرِ دليل أو مدلولٍ عليه؛ عَقِيبَ ما يوجب التصديقَ، وما يجب التصديقُ به؛ فتأمَّلْهُ.
(٢) يقصد قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)﴾.