لمن وصل إلى مثلِ تلك الحال، فحكى الله -سبحانه- ما جَرَتْ به عادتُهم بقوله، وحذَفَ فاعل القول؛ لأنَّه ليس الغرض متعلِّقًا بالقائل بل بالقول، ولم تجر عادة المخاطبين بأن يقولوا: مَنْ يرقى بروحه، فكان حمل الكلام على ما أُلِفَ وجَرَت العادةُ بقوله أَولَى، إذ هو تذكيرٌ لهم بما يشاهدونه ويسمعونه.
السادس: أنَّه لو أريد (١) هذا المعنى لكان وجه الكلام أن يقال: مَنْ هو الراقي؟ ومَن الراقي؟ لا وجه للكلام غير ذلك، كما يقال: مَنْ هو القائل منكما كذا وكذا، وفي الحديث: "مَن القائلُ كلمةَ كذا؟ " (٢).
السابع: أنَّ كلمة "مَنْ" إنَّما يُسأل بها عن التعيين كما يقال: مَن ذا الذي فعل كذا، ومَنْ ذا (٣) الذي قاله. فَيَعْلَمُ أنَّ فاعلاً وقائلاً فَعَلَ وقَالَ، ولا يعلم تعيينه، فيسأل عن تعيينه بـ"مَنْ" تارةً، وبـ"أَىّ" تارةً، وهم لم يسألوا عن تعيين المَلَك الراقي بالرُّوْح إلى الله.
فإن قيل: بل علموا أنَّ مَلَكَ الرحمة أو العذاب صاعدٌ بروحه، ولم يعلموا تعيينه فَسَأَلوا عن تعيين أحدهما؟
قيل: هم يعلمون أنَّ تعيينه غير ممكن، فكيف يسألون عن تعيين ما لا سبيل للسامع إلى تعيينه، ولا إلى الكَلَمَةِ (٤) بالعلم به.

(١) في (ز): أراد.
(٢) أخرجه -بهذا اللفظ- أبو داود في "سننه" رقم (٧٧٤)، من حديث عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه.
والحديث أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (٧٩٩) وغيره؛ من حديث: رفاعة بن رافع الزُّرَقي، بلفظ: "مَن المتكلِّم؟ ".
(٣) ساقط من (ن) و (ك) و (ط) و (م)، وسقطت "ذا" من (ح) في الموضعين.
(٤) كذا في جميع النسخ!


الصفحة التالية
Icon