هذا القرآنَ من عند الله، وأنَّه كلامه (١)، وهو أصدق الكلام، وأنَّه حقٌّ ثابتٌ، كما أنَّ سائر الموجودات (٢) -ما يُرَى منها وما لا يُرَى- حقٌّ، كما قالَ تعالى: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)﴾ [الذاريات: ٢٣]، أي: إنْ كان نُطْقُكُم حقيقةً، وهو أمرٌ موجودٌ لا تُمَارُون فيه ولا تشكُّون؛ فهكذا ما أخبرتكم به من التوحيد، والمَعَاد، والنُّبوَّة: حَقٌّ، كما في الحديث: "إنَّهُ لَحَقٌّ مثلَ ما (٣) أنَّكَ هاهُنا" (٤). فكأنَّه -سبحانه- يقول: إنَّ القرآنَ حقٌّ كما أنَّ ما شاهدوه من الخلق وما لا يشاهدونه حقٌّ موجودٌ، بل لو فكَّرتُم فيما تبصرون وفيما لا تبصرون لدلَّكم ذلك على أنَّ القرآنَ حقٌّ، ويكفي الإنسانَ من جميع ما يبصره وما لا يبصره نفسُهُ، ومبدأُ خَلْقِه ونشأته، وما يشاهده من أحواله ظاهرًا وباطنًا، ففي ذلك أَبْيَنُ دلالةٍ على وحدانية الرَّبِّ، وثبوت صفاته،
(٢) في (ز): المخلوقات.
(٣) في (ز): كما، بدل: (مثل ما).
(٤) أخرجه: أحمد في "المسند" (٥/ ٢٣٢ و ٢٤٥)، وأبو داود في "سننه" رقم (٤٢٩٤)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" رقم (٥١٩)، والبغوي في "شرح السنة" رقم (٤٢٥٢)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (١٠/ ٢٢٣)؛ من حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- مرفوعًا.
وفي إسناده: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان العَنْسي، وثَّقه: أبو حاتم، ودحيم، والفلَّاس وغيرهم، وضعَّفه آخرون. "تهذيب الكمال" (١٧/ ١٢).
والحديث حسنه: ابن كثير في "البداية والنهاية" (١٩/ ١٠٩)، والألباني في "صحيح أبي داود" رقم (٣٦٠٩)، و"المشكاة" رقم (٥٤٢٤).
وروي موقوفًا؛ أخرجه: البخاري في "التاريخ الكبير" (٥/ ١٩٣)، والحاكم في "المستدرك" (٤/ ٤٢٠ - ٤٢١) وصححه ووافقه الذهبي.