وأبناءهم. فإن كان ذلك عُدْوانًا منه وجَوْرًا لم يكن نبيًّا، وعاد الأمر إلى القَدْحِ في الرَّبِّ تعالى، وإن كان ذلك بأمر الله ووحيه لم تَسَعْ مخالفتُه، وتَرْكُ اتِّباعه، ولَزِمَ تصديقُه فيما أخبر به، وطاعتُه فيما أمر.
وقد أرشد -سبحانه- إلى هذا المَسْلَك في غير موضعٍ من كتابه:
فقال (١) تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)﴾ [الحاقة: ٤٤ - ٤٧]، يقول سبحانه: لو تقوَّلَ علينا قولاً واحدًا من تلقاء نفسه لم نَقُلْهُ، ولم نُوحِهِ إليه؛ لَمَا أقررناه، وَلأخَذْنا بيمينه، ثُمَّ أهلكناه.
هذا أحد القولين.
قال ابن قتيبة: "في هذا قولان: أحدهما: أنَّ "اليمينَ" هاهنا: القوَّةُ والقدرةُ، وأقام "اليمين" مقام القوَّة؛ لأنَّ قوَّة كلِّ شيءٍ في ميامنه".
قلتُ: وعلى هذا تكون "اليمين" من صفة الآخِذِ.
قال: "وهذا قول ابن عباس في اليمين".
قال: "ولأهل اللغة في هذا مذهبٌ آخر، وهو أنَّ الكلامَ وَرَدَ على ما اعتاده النَّاسُ من الأخذ بيد من يُعَاقَب، وهو قولهم إذا أرادوا عقوبةَ رَجُلٍ: "خُذْ بيده"، وأكثر ما يقوله السلطان والحاكم بعد وجوب الحكم: خُذْ بيده، واسْفَعْ بيده (٢). فكأنَّهُ قال: لو كَذَبَ علينا في شيءٍ
(٢) واسْفَعْ بيده: أي خُذْ بيده، وسَفَع يَسْفَعُ سَفْعًا: جَذَبَ وأَخَذ وقَبَض.
انظر: "لسان العرب" (٦/ ٢٨٢).