السادس: أنَّه لا دلالة في سياق الآية على الصبر بوجهٍ ما: لا بالمطابقة؛ ولا التضمُّنِ، ولا اللُّزُومِ. فمن أين يُعْلَم أنَّه أراد ذلك، ولم يتم (١) هذا المعنى في غير هذا الموضع فيحمل عليه، بخلاف كونه يحولُ بينه وبينه، ولا يُمَكِّنُهُ من الافتراء عليه، فقد ذكره في مواضع.
السابع: أنَّه -سبحانه- أخبر أنَّه لو شاء لما تَلاَهُ عليهم، ولا أدراهم به، وأنَّ ذلك إنَّما هو بمشيئته وإذنه وعلمه؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ﴾ [يونس: ١٦]، وهذا من أبلغ الحجج وأظهرها، أي: هذا الكلام ليس من قِبَلِي، ولا من عندي، ولا أقدر أن أفتريه على الله، ولو كان ذلك مقدورًا لي لكان مقدورًا لمن هو من أهل العلم، والكتابة، ومخالطة النَّاس، والتعلُّم منهم (٢)، ولكنَّ الله بعثني به، ولو شاء -سبحانه- لم يُنْزِله ولم ييسِّرْهُ بلساني، فلم يَدَعْني أتلوه عليكم، ولا أُعْلِمُكم به أَلْبَتَّةَ؛ لا على لساني، ولا على لسان غيري، ولكنه أَوْحَاهُ إليَّ وأذِنَ لي في تلاوته عليكم، وأدراكم به بعد أن لم تكونوا دَارِينَ به، فلو كان كذبًا وافتراءً على الله -كما تقولون- لأمكن غيري أن يتلوه عليكم وتَدْرُون به من جهته؛ لأنَّ الكذب لا يعجز عنه البشر، وأنتم لم تَدْرُوا بهذا ولم تسمعوه إلا منِّى، ولم تسمعوه من بشرٍ غيري.
ثُمَّ أجاب عن سؤالٍ مقدَّرٍ (٣) -وهو أنَّه تعلَّمَهُ من غيره أو افتراه من تلقاء نفسه- فقال: ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ﴾ [يونس: ١٦]

(١) في (ن) و (ك) و (ح) و (ط) و (م): يستمر.
(٢) في (ك): منه.
(٣) في (ن) و (ك) و (ط): مقرر.


الصفحة التالية
Icon