وقوله -عزَّ وجلَّ-: ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ﴾ [النساء: ١٣٣]، وقوله تعالى: ﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ﴾ [الشورى: ٣٣]، وقوله تعالى: ﴿إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ﴾ [سبأ: ٩] ونظائره؛ لم يأْتِ إلا فيما كان ما بعد فعل المشيئة مَنْفِيًّا.
التاسع: أنَّ الخَتْمَ على القلب لا يستلزم الصبر، بل قد يَخْتِمُ على قلب العبد ويَسْلُبُه صَبْرَهُ، بل إذا خَتَم على القلب زال الصبر وضَعُفَ، بخلاف الرَّبْطِ على القلب فإنَّه يستلزم الصبر، كما قال تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (١١)﴾ [الأنفال: ١١].
ومعنى "الرَّبْط" في اللغة: الشَدُّ. ولهذا يقال لكلِّ من صبر على أمرٍ: رَبَطَ قَلْبَهُ، كأنَّه حَبَسَ قلبه عن (١) الاضطراب. ومنه يقال: هو رابط الجَأْش (٢).
وقد ظنَّ الواحديُّ (٣) أنَّ "على" زائدةٌ، والمعنى: يربط قلوبكم! وليس كما ظَنَّ؛ بل بين ربط الشيء والربط عليه فرقٌ ظاهرٌ، فإنَّه يقال: رَبَطَ الفَرَسَ والدَّابَّةَ، ولا يقال: رَبَطَ عليها. فإذا أحاط الرباطُ بالشيء وعَمَّهُ كُلَّه (٤) قيل: رَبَطَ عليه؛ كأنَّه أحاط عليه بالرباطِ، فلهذا قيل: رَبَطَ على قلبه، وكان أحسن من أن يقال: رَبَطَ قلبه.

(١) في (ن) و (ك) و (ط): على.
(٢) انظر: "مفردات الراغب" (٣٣٨)، و"تاج العروس" (١٩/ ٢٩٨).
(٣) انظر: "الوسيط" (٢/ ٤٤٧).
(٤) ساقط من (ح) و (م).


الصفحة التالية
Icon