لمَّا كانَ قِوَام كلِّ واحدٍ من البدن والقلب إنِّما هو بالرِّزْق -فَرِزْقُ البدنِ: الطعامُ، والشرابُ. ورزْقُ القلب: الإيمانُ، والمعرفةُ بربِّه وفاطره، ومحبتُه، والشوقُ إليه، والأُنْسُ بقُرْبه، والابتهاجُ بذكره-، وكان لا حياة له إلا بذلك، كما أنَّ البدن لا حياة له إلا بالطعام والشراب = أَنْعَم الله - على عباده بهذين النَّوعَين من الرِّزْق، وجعل قيام أبدانهم وقلوبهم بهما.
ثُمَّ فَاوَتَ -سبحانه- بينهم في قِسْمَة هذين الرِّزْقَين، بحسب ما اقتضاه علمه وحكمته؛ فمنهم من وُفِّرَ حظُّه [ز/٨٣] من الرِّزْقَين، ووُسِّعَ عليه فيهما، ومنهم من قُتِّرَ عليه في الرِّزْقَين، ومنهم من وُسِّعَ عليه رزقُ البدن، وقُتِّرَ عليه رزقُ القلب، وبالعكس.
وهذا الرِّزْق إنِّما يَتِمُّ ويَكْمُلُ بالشُّكْر. و"الشُّكْر" مادَّةُ زيادته، وسبب حفظه وبقائه، وترك الشُّكْر سبب زواله وانقطاعه عن العبد، فإنَّ الله -تعالى- تاذَّنَ أنَّه لابُدَّ أن يزيد الشَّكُور من نعمه، ولابُدَّ أنْ يَسْلُبَها مَنْ لم يشكرها.
فلمَّا وضعوا الكفر والتكذيبَ موضع الشُّكْرِ والإيمان؛ جعلوا رزقَهم -نَفْسَهُ- تكذيبًا، فإنَّ التصديقَ والشُّكْرَ لمَّا كانا سبب زيادة الزَزْق -وهما (١) رِزْقُ القلب حقيقةً-، فهؤلاء جعلوا مكانَ هذا الرِّزْق التكذيبَ والكفْرَ، فجعلوا رزقَهم التكذيب.
وهذا المعنى هو الذي حَامَ حوله من قال: التقدير: وتجعلون شُكْرَ

(١) في (ز) بين الأسطر، وبخط دقيق، جاء فوق قوله "وهما": "أي: التصديق والشكر".


الصفحة التالية
Icon