"النَّفْس"، وهو مُلْهِمُها الفجورَ والتقوى، وهو مُزَكِّيها ومُدَسِّيها، فليس للعبد في الأمر شيءٌ، ولا هو مالكٌ من أمر (١) نفسه شيئًا.
قال أرباب القول الأوَّل: هذا القول، وإن كان جائزًا في العربية، حملًا للضمير المنصوب على معنى "مَنْ"، وإن كان لفظها (٢) مذكَّرًا؛ كما في قوله عزَ وجل: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٤٢]، جَمَعَ الضمير وإن كان لفظ "مَنْ" مفردًا، حَمْلًا على معناها (٣) = فهذا إنَّما يحسن حيث لا يقع لَبْسٌ في مفسَّر الضمائر، وها هنا قد تقدَّم لفظ "مَنْ"، والضمير المرفوع في ﴿زَكَّاهَا (٩)﴾ يستحقُّه لفظًا ومعنىً، فهو أَولى به، ثُمَّ يعود الضمير المنصوب على "النَّفْس" التي هي أولى به لفظًا ومعنًى، فهذا هو النظم الطبيعي الذي يقتضيه سياق الكلام ووضعه.
وأمَّا عَوْدُ الضمير الذي يلي "مَنْ" على الموصول السابق وهو قوله: ﴿وَمَا سَوَّاهَا (٧)﴾، وإخلاءُ جاره الملاصق له -وهو "مَنْ" (٤) - مِن عَوده إليه، ثُمَّ عَوْدُ الضمير المنصوب -وهو مؤنَّثٌ- على "مَنْ"، ولفظه يُذكَر دون "النَّفْس" المؤنثة = فهذا يجوز لو لم يكن للكلام محمَلٌ غيره أحسن منه، فأما إذا كان سياقُ الكلام ونظمُه يقتضي خلافه، ولم تَدْعُ الضرورة إليه؛ فالحَمْلُ عليه ممتنعٌ.
قالوا: والقول الذي ذكرناه أرجح من جهة المعنى لوجوه:
(٢) في (ن): لفظًا.
(٣) في جميع النسخ: لفظها! وهو سبق قلم، والصواب ما أثبته كما يدل عليه كلام المؤلف فيما بعد.
(٤) "وهو "من"" ساقط من (ز).