وقيل (١): " قليلاً" خبر "كان"، وتَمَّ الكلامُ بذلك، والمعنى: كانوا صِنْفًا أو جِنْسًا قليلاً، ثُمَّ قال: ﴿مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)﴾ (٢).
وأصحاب هذا القول يجعلون "ما" نافيةً، فيعود الكلام إلى نَفْي هجوعهم شيئًا من الليل، وقد تقدَّم ما فيه (٣).
ثُمَّ أخبر عنهم بأنَّهم مع صلاتهم بالليل كانوا يستغفرون الله عند السَّحَر، فخَتَمُوا صلاتهم بالاستغفار والتوبة، فباتوا لربِّهم سُجَّدًا وقيامًا، ثُمَّ تابوا إليه واستغفروه عقيب ذلك.
وكان النبيُّ - ﷺ - إذا سلَّم من صلاته استغفر ثلاثًا (٤). وأمره الله- سبحانه- أن يختم عمره بالاستغفار (٥). وأمر عباده أن يختموا إفاضتهم

(١) هذا هو القول السادس في تقدير الآية وإعرابها.
(٢) "قال أبو بكر الأنباري في كتابه "الوقف والابتداء" (٢/ ٩٠٦):
"وهذا فاسدٌ؛ لأنَّ الآية إنَّما تدلُّ على قلَّة نومهم لا على قلَّة عددهم.
وبعدُ فلو ابتَدأنا "من الليل ما يهجعون" على معنى: من الليل يهجعون؛ لم يكن في هذا مدحٌ لهم؛ لأنَّ النَّاس كلهم يهجعون من الليل، إلا أن نجعل "ما" جَحْدًا". أي يكون المعنى أنَّهم لا ينامون الليل أصلاً، بل يقضونه في العبادة والذكر، فالمنفي -حينئذٍ- قلة النوم. وهذا هو الذي رده ابن القيم -قبل قليل- من تسعة أوجه.
وانظر لما سبق: "القطع والائتناف" للنحَّاس (٦٨١)، و"البيان" لابن الأنباري (٢/ ٣٨٩)، و"الجامع" (١٧/ ٣٥)، و"الدر المصون " (١٠/ ٤٥).
(٣) راجع (ص/ ٤٤١ - ٤٤٣).
(٤) أخرجه مسلم في "صحيحه" رقم (٥٩١)، من حديث ثوبان -رضي الله عنه-.
(٥) وذلك في "سورة النصر": ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)﴾


الصفحة التالية
Icon