ولمَّا تضمَّن ذلك مَدْحَ الخاضعين والمتواضعين؛ ذكرَ بعد ذلك حال المتكبِّرين المتجبِّرين الطاغين، ثُمَّ أخبر أنَّه صبَّ عليهم سَوْط عذاب؛ أي: سوطًا من عذاب. ونكَره: إمَّا للتعظيم؛ وإمَّا لأنَّ يسيرًا من عذابه استأصلهم وأهلكهم، ولم يكن لهم معه بقاءٌ ولا ثباتٌ.
ثُمَّ ذكر حال المُوَسَّع عليهم في الدنيا والمُقَتَّرِ عليهم، وأخبر أنْ توسعته على من وَسَّع عليهَ -وإن كان إكرامًا له في الدنيا- فليس ذلك إكرامًا على الحقيقة، ولا يدلُ على أنَّه كريمٌ عنده، ولا هو (١) من أهل كرامته ومحبته، وأنَّ تقتيره على من قتر عليه لا يدلُّ على إهانته له، وسقوط منزلته عنده، بل يوسِّع ابتلاءً وامتحانًا، ويقتِّر ابتلاءً وامتحانًا، فيبتلي بالنِّعَم كما يبتلي بالمصائب، وهو -سبحانه- يبتلي عبدَهُ بنعمةٍ تجلب له أُخرى، وبنعمةٍ تجلب له نِقْمةً، وبنقْمةٍ تجلب له أخرى، وبنقمةٍ تجلب له نعمةٍ (٢)، فهذا شأنُ نِعَمِهِ ونقَمِهِ سبحانه.
وتضمَّنَت هذه السورة ذَمَّ من اغترَّ بقوّته، وسلطانِه، ومالِه، وهم هؤلاء الأُمَم الثلاثة:
"قوم عاد": اغترُّوا بقوَّتهم.
و"ثمود": اغترُّوا بجِنَانهم، وعيونهم، وزروعهم، وبساتينهم.
و"قوم فرعون": اغترُّوا بالمال والرِّيَاسَة.
(٢) في (ك) و (ح) و (م) تقديم وتأخير بين الجمل الأربع.