وقالت طائفةٌ: بل يتخلَّقُ من ماءَين فأكثر.
قالوا: وانضمامُ "الرَّحِم" واشتمالُه على الماء لا يمنع قبوله الماءَ الثاني، فإنَّ "الرَّحِمَ" أَشْوَقُ (١) شيءٍ وأَقْبَلُه [ح/ ١٣٢] "للمَنِيِّ".
قالوا: ومثال ذلك مثال "المعدة"، فإنَّ الطعام إذا استقرَّ فيها انضمَّت عليه غاية الانضمام، فإذا ورد عليها طعامٌ فوقه انفتحت له، لشوقها (٢) إليه.
قالوا: وقد شَهِدَ بهذا القائفُ بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- في ولدٍ ادَّعاهُ اثنان، فنظر إليهما وإليه، وقال: "ما أراهما إلا اشتركا فيه". فوافقه عمر -رضي الله عنه- وألحقه بهما (٣).

= أحدهما: ما أجمع عليه أُمم الطبِّ في خلق الإنسان، أنَّ عُلُوق الولد يكون حين يمتزج ماء الرجل بماء المرأة، ثُمَّ تنطبق الرَّحِم عليهما بعد ذلك الامتزاج، فينعقد علوقه لوقته، ولا يصل إليه ماءٌ آخر، لا من ذلك الواطئ ولا من غيره.
والثاني: أنَّه لمَّا استحال في شاهد العرف أن تنبت السنبلة من حَبَّتين، وتنبت النخلة من نواتين، دلَّ على استحالة خلق الولد من ماءين. والله أعلم".
وهذا التقرير البديع يوافق تمامًا ما انتهى إليه الأطبَّاء المعاصرون في "علم الأجِنَّة" الحديث، والقول -في مثل هذا- قولهم.
انظر: "خلق الإنسان بين الطبِّ والقرآن" للدكتور: محمد علي البار (٤٨٤ - ٤٨٥).
(١) في (ز) و (ك) و (ط): أنشق، وفي (ح) و (م): أشفق، والصواب ما أثبته.
(٢) "له لشوقها" ملحق بهامش (ك).
(٣) أخرجه: عبد الرزاق في "المصنف" (٧/ ٣٦٠)، وسعيد بن منصور في "سننه" كما في "المغني" (٨/ ٣٧٧)، والبيهقيُّ في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٦٤)، وفي "معرفة السنن والآثار" (١٤/ ٣٦٨)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٦٢)، وفي "شرح مشكل الآثار" (١٢/ ٢٥٣)، والزبير بن بكار في "الأخبار =


الصفحة التالية
Icon