فإن أريد به المعنى الأوَّل فهو حالُ ساكِنِ البلد، بخلاف المحرم الذي يحجُّ ويعتمر ويرجع. ولأنَّ أَمْنَهُ إنَّما تظهر به النِّعمة عند الحِلِّ (١) من الإحرام، وإلا ففي حال الإحرام هم في أَمَانٍ، والحُرْمةُ هناك للفعل لا للمكان.
والمقصود إنَّما هو ذكر حُرْمة المكان، وهي إنَّما تظهر بحال الحَلاَل الذي لم يتلبَّس بما يقتضي أَمْنَهُ، ولكن على هذا ففيه تنبيهٌ؛ فإنَّه إذا أقسَمَ به، وفيه الحلال، فإذا كان فيه الحرام فهو أَوْلَى بالأمْنِ والتعظيم.
وكذلك إذا أُرِيد المعنى الثاني وهو الحلول، فهو متضمِّنٌ لهذا

= الخفاجي، والقاسمي في "محاسن التأويل" (٧/ ٣٢٤).
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور -رحمه الله- في "التحرير والتنوير" (١٥/ ٣٤٨):
"وحكى ابن عطية عن بعض المتأولين: أن معنى "وأنت حِلٌّ بهذا البلد" أنه حالٌّ، أي: ساكنٌ بهذا البلد. وجعله ابن العربي قولاً ولم يَعْزُه إلى قائل، وحكاه القرطبي والبيضاوي كذلك، وهو يقتضي أن تكون جملة "وأنتَ حِلٌّ" في موضع الحال من ضمير "أُقْسِمُ"، فيكون القَسَم بالبلد مقيدًا باعتبار كونه بلَدَ محمدٍ - ﷺ -، وهو تأويلٌ جميلٌ لو ساعد عليه ثبوت استعمال (حِلّ) بمعنى: حَالّ أي: مقيم في مكان، فإن هذا لم يرد في كتب اللغة: الصحاح، واللسان، والقاموس، ومفردات الراغب. ولم يعرج عليه صاحب "الكشاف"، ولا أحسِبُ إعراضه عنه إلا لعدم ثقته بصحة استعماله.
وقال الخفاجي: "والحِلّ: صفة أو مصدر بمعنى الحال هنا على هذا الوجه، ولا عبرة بمن أنكره لعدم ثبوته في كتب اللغة"، وكيف يقال: لا عبرة بعدم ثبوته في كتب اللغة، وهل المرجع في إثبات اللغة إلا كتبُ أئمتها! ".
(١) في (ز): المحل.


الصفحة التالية
Icon