قيل: هذا موضعٌ اختلف فيه أرباب الشريعة فيما بينهم، وأرباب الطبيعة فيما بينهم:
فقالت طائفة: لا حياة في "العظام" وإن كان فيها قوَّة النُّمُو والاغتذاء.
قالوا: لأنَّ الحياةَ إنَّما هي بالرُّوح الحيوانيِّ، ولاَ حَظَّ "للعظام" فيه.
قالوا: ولأنَّ مَرْكَبَ الحياةِ (١) إنَّما هو "الدَّمُ" المُنْبَثُّ في "العُرُوق" و"الأعصاب" و"اللَّحم". ولهذا لم يكن "للشَعْر" ولا "للظُّفُر" نصيبٌ من ذلك، ولهذا لم يأْلَم الحيوانُ بأَخْذِهِ.
قالوا: فحياةُ "العظام" و"الشَّعْر" حياةُ نُمُوٍّ واغتذاءٍ، وحياةُ أعضاء البدن حياةُ نُمُوٍّ وإحساسٍ.
قالوا: ولهذا قلنا إنَّ "العظام" لا تَنْجَس بالموت؛ لأنَّها لم يكن فيها حياةٌ تزول بالموت.
قالوا: وزوالُ النُّمُوِّ لا يُوجب نجاسة ما فَارَقَهُ، بدليل يُبْسِ الزَّرعْ والشَّجر.
قال آخرون: الدليلُ على أنَّ "العظام" تَحُلُّ فيها الحياةُ قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩].