الذي مناطُهُ: القدرةُ والعلمُ، فنبَّه على ذلك بقوله: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (٥)﴾، وبقوله: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧)﴾ فيُحْصِي عليه ما عَمِلَ من خيرٍ وشرٍّ، ولا يقدر عليه فيجازيه بما يستحقه؟
ثُمَّ أنكر -سبحانه- على الإنسان قوله: ﴿أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦)﴾، وهو الكثير الذي يُلَبَّدُ بعضُه فوق بعضٍ، فافْتَخَر هذا الإنسان بإهلاكه وهو: إنفاقُهُ في غير وجهه، إذ لو أنفقه في وجُوهِهِ التي أُمِرَ بإنفاقه فيها، وَوَضْعِهِ مواضعه؛ لم يكن ذلك إهلاكًا له، بل تقرُّبًا به إلى الله -عزَّ وجلَّ- وتوصُّلاً به إلى رِضَاهُ وثوابِهِ، وذلك ليس بإهلاكٍ له. فأنكر -سبحانه- افتخارَه وتبجُّحَهُ بإنفاق المال في شهواته وأغراضه التي إنفاقُه فيها إهلاكٌ له.
ثُمَّ وبَّخَهُ -سبحانه- بقوله: ﴿أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (٧)﴾، وأتى ها هنا بـ "لم" الدالَّة على المُضِيِّ (١)، في مقابلة قوله؛ ﴿أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (٦)﴾؛ فإنَّ ذلك في الماضي، أَفَيَحْسَبُ أن لم يَرَهُ أحدٌ فيما أنفقه وفيما أهلكه؟!
ثُمَّ ذكر -سبحانه- برهانًا مقرِّرًا أنه أحقُّ بالرؤية وأَوْلَى من هذا العبد الذي له عينان يبصر بهما، فكيف يعطيه البصر من لا يراه؟ وكيف يعطيه آلة البيان -من الشفتين واللَّسَان، فينطقُ، ويبين عمَّا في نفسه، ويأمر وينهى- من لا يتكلَّم، ولا يُكَلِّمُ، ولا يخاطِب، ولا يأمر، ولا ينهى؟! وهل كمال المخلوق مستفادٌ إلا من خالقه؟ ومن جعل غيره عالمًا بنجْدَيْ الخيرِ والشرِّ -وهما طريقاهما- أَوْلَى وأحقُّ بالعلم منه.

(١) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: المعنى.


الصفحة التالية
Icon