وكلُّ واحدٍ من هذه الأمور الثلاثة أمرٌ مهمٌّ للإنسان [ح/ ١٥٠] لابدَّ له منه، فإنَّه (١) محتاجٌ إلى التفهُّم والتفهيم، ولو لم يكن حافظًا المعاني المتصوَّرَات (٢) وصُوَرَها بعد غيبتها؛ لكَانَ إذا سمع كلمةً وفهمَها شَذَّت عنه عند مجيء الأخرى، فلم يحصل المقصود من التفهُّم (٣) والإفهام، فجَعَلَ له ربُّهُ وفاطره -سبحانه- خزانةً تحفظُ له صُوَرَ المعلومات، حتَّى تجتمع له، وتسمَّى القوَّة التي فيها: "القوَّة الحافظة".
ولا تتمُّ مصلحةُ الإنسان إلا بها، فإنَّه إذا رأى شيئًا، ثُمَّ غاب عنه، ثُمَّ رآه مرةً أخرى عَرَفَ أنَّ هذا الذي رآه الآن هو الذي رآه قبل ذلك؛ لأنَّه في المَرَّة الأولى ثبتت صورته في الحافظة (٤)، ثُمَّ تَوَارَى عنه بالحجاب، فلمَّا رآه مرةً ثانيةً صارت هذه الصورة المحسوسة ثانيًا مطابقة للصورة المعنويَّة (٥) التي في الذِّهْن، فحصَل (٦) الجَزْمُ بأنَّ هذا ذاك، ولولا "القوَّة الحافظة" لما حصل [ك/ ١٢٠] ذلك، ولما عَرَفَ أحدٌ أحدًا بعد غيبته عنه.
ولذلك إذا طالَت الغيبةُ جدًّا، وانْمَحَت تلك الصورة الأُولى من الذِّهْن بالكُليَّة؛ لم يحصل له العلم بأنَّ هذا هو الذي رآه أوَّلاً، إلا بعد تفكُّرِ وتأمُّلِ.
وقد قال قومٌ: إنَّ مَحَلَّ هذه الصُّوَر: "النَّفسُ".

(١) في النسخ: ولكل واحدٍ من... ، وأنه.... ولعل ما أثبته هو الصواب.
(٢) في (ح) و (م): لمعاني التصورات.
(٣) في (ك) و (ح) و (م) و (ط): الفهم.
(٤) في جميع النسخ: الحفظ، وما أثبته أنسب.
(٥) في (ك): المعفوية!
(٦) "فحصل" ملحق بهامش (ك).


الصفحة التالية
Icon