ونظير هذا بعينه في التوراة التي أنزلها الله على كليمه (١) موسى: "جاءَ اللهُ من طُور سيناء، وأَشْرَقَ من سَاعِير، واسْتَعْلَنَ من جبالِ فَارَان" (٢).
فمجيئه من "طور سيناء" بَعْثُهُ لموسى بن عِمْرَان، وبدأ به على حكم الترتيب الواقع. ثُمَّ ثنَّى بنبوَّة المسيح، ثُمَّ ختم بنبوَّة محمد - ﷺ -.
وجعل نبوَّةَ موسى بمنزلة مجيء الصُّبْح، ونبوَّةَ المسيح بعده بمنزلة طلوع الشمس وإشراقها، ونبوَّةَ محمدٍ - ﷺ - بعدهما (٣) بمنزلة استعلائها وظهورها للعالَم.
ولمَّا كان الغالب علي بني إسرائيل حكم الحِسِّ؛ ذكَرَ ذلك مطابقًا للواقع (٤)، ولمَّا كان الغالب على الأُمَّةِ الكاملة حُكْم العقل؛ ذكرها على الترتيب العقلي، وأقسَمَ بها على بداية الإنسان ونهايته؛ فقال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)﴾ [التين: ٤]؛ أي: في أحسن صورةٍ وشَكْلٍ واعتدالٍ، مُعْتَدِلَ القامة، مستويَ الخِلْقة (٥)، كاملَ الصورة، أحسنَ من كل حيوانٍ سواه.
والتقويم: تصيير الشيء على ما ينبغي أن يكون في التأليف
(٢) ذكره وشرحه شيخ الإسلام في "الجواب الصحيح" (٥/ ١٩٩) فما بعده، ونقل بعضه ابن كثير في "تفسيره" (٨/ ٤٣٤)، والقاسمي في "محاسن التأويل" (٧/ ٣٤٨ - ٣٥١).
(٣) في (ز) و (ن): بعدها.
(٤) من قوله: "ولما كان الغالب... " إلى هنا؛ ساقط من (ز).
(٥) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: الخلق.