لصحة الاستثناء.
فمنهم من قدَّرَ ذلك بأنَّ الذين اَمنوا وعملوا الصالحات لا تبطل أعمالهم إذا رُدُّوا إلى أرذل العمر، بل تجري عليهم أعمالهم التي كانوا يعملونها في الصحة. وهذا -وإن كان حقًّا- فإنَّ الاستثناء إنَّما وقع من الردِّ، لا من الأجر والعمل.
ولمَّا علم أرباب هذا القول ما فيه من التكلُّف خَصَّ بعضُهم "الذين آمنوا [ز/١٦] وعملوا الصالحات" بقُرَّاء القرآن خاصَّةً، فقالوا: من قرأ القرآن لا يُرَدُّ إلى أرذل العمر.
وهذا ضعيفٌ من وجهين:
أحدهما: أنَّ الاستثناءَ عامٌّ في المؤمنين، [ك/ ١٥] قارئهم وأُمِّيهم.
الثاني: أنَّه لا دليل لهم على ما ادَّعَوه، وهذا لا يُعْلَم بالحِسِّ، ولا خَبَرَ يجب التسليم له (١) يقتضيه، والله أعلم.
التاسع: أنَّه -سبحانه- ذكر نعمته على الإنسان بخلقه في أحسن تقويم، وهذه النِّعمة تُوجب عليه أن يشكرها بالإيمان به، وعبادته وحده لا شريك له، فينقله -حينئذٍ (٢) - من هذه الدار إلى أَعْلَى عِلِّيين، فإذا لم يؤمن بربِّه، وأشرك به، وعصى رسله؛ نقله منها إلى أسفل سافلين، وبدَّلَهُ بعد هذه الصورة التي هي في أحسن تقويم صورةً من أقبح الصور في أسفل سافلين. فتلك نعمتُهُ عليه، وهذا عَدْلُهُ فيه، وعقوبَتُهُ على
(٢) في (ز): وحده!