وأن ادعاء ذلك على سبيل الحقيقة مكابرة، حتى إن جماعة من علماء البلاغة أنكروا الاستعارة من أصلها زاعمين أنها مجاز عقلي؛ لأنها لما لم تطلق على المشبه إلا بعد دخوله في جنس المشبه به بجعل الرجل الشجاع مثلًا فردًا من أفراد الأسد، كان استعمال الكلمة المسماة بالاستعارة في المشبه استعمالًا لها في ما وضعت له، فلم يكن هناك مجاز لغوي أصلًا، وإنما قالوا بأنه مجاز عقلي، يعنون أن العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الأسد، وجعل ما ليس في الواقع واقعًا مجازٌ عقلي، وجمهور البيانيين يثبتون الاستعارة على أنها مجاز لغوي، وقسيمها المجاز المرسل، ويردون قول من نفاها من أصلها زاعمًا أنها مجاز عقلي، بأن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به مبنيّ على أنه جعل أفراد الأسد مثلًا بطريق التأويل قسمين:
أحدهما: المتعارف وهو الذي له غاية الجرأة وكمال القوة في مثل تلك الجثة ذات الأنياب والأظفار.
والثاني: غير المتعارف وهو الذي له تلك الجرأة لكن لا في تلك الجثة المخصوصة والهيكل المخصوص، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال له في غير ما وُضِعَ له، والقرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعين غير المتعارف.
قالوا: وبهذا يندفع ما يقال: إن الإصرار على دعوى الأسدية للرجل الشجاع ينافي نصب القرينة لمانعةٍ عن إرادة الأسد. وأجابوا عن التعجب في بيت ابن العميد، وعن النهي عنه في بيت الشريف