يقول (العفو) الصدقة المفروضة، وقال الكلبي: كان الرجل بعد نزول هذه الآية إذا كان له مال من ذهب أو فضة أو زرع أو ضرع نظر إلى ما يكفيه وعياله لنفقة سنة أمسكه وتصدق بسائره، وإن كان مما يعمل بيده أمسك ما يكفيه وعياله يوما وتصدق بالباقي، حتى نزلت آية الزكاة المفروضة فنسخت هذه الآية وكل صدقة أمروا بها، وقال قوم: هي محكمة، وفي المال حق سوى الزكاة (١).
والراجح أنها محكمة فلا تعارض بينها وبين ماورد في شأن الزكاة المفروضة، لأن العفو هنا هو اليسير الزائد عن الحاجة، ولا شك أن الزكاة لا تفرض إلا على الأغنياء ونصابها يسير وهو زائد عن حاجة الغني فلا تعارض في ذلك بين هذه الآية والآيات الأخرى.
تلكم أهم أسباب اختلاف المفسرين في التفسير.
وينبغي على المفسر في تعامله مع هذا النوع من الاختلاف أن يعتمد على قواعد الترجيح والتي منها:
مراعاة النظر الكلية الشاملة للآيات، ومراعاة السياق، وأن الأصل عودة الضمير على أقرب مذكور سابق، وأن الأصل هو الأخذ بظاهر النص فالأصل هو إجراء الكلام على معناه الظاهر، فلا نلجأ إلى القول بالمجاز إلا بقرينة تمنع من استعمال المعنى الحقيقي، وأن الأصل بقاء العام على عمومه ما لم يرد ما يخصصه، وبقاء المطلق على إطلاقه ما لم يرد ما يقيده، وأن إعمال النص خير من إهماله وعليه فلا نلجأ للنسخ إلا عند التعارض الشديد، وأن الأصل بقاء
_________
(١) انظر الجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج ٣، ص ٤٢.


الصفحة التالية
Icon