ورجّح ابن عاشور كون هذه الآيات محكمة، واستبعد القول بالنسخ وفي ذلك يقول: " ويبعده أن سياق الآيات يقتضي أنها نزلت في نسق واحد، فيبعد أن يكون أولها نسخاً لآخرها " (١).
وقد وافق قول ابن عاشور قول من سبقه من المفسرين منهم الطبري، وابن عطية، والرازي، والقرطبي، وأبو حيان، والألوسي، والقاسمي (٢).
في حين ذهب ابن كثير، والشوكاني إلى أن الآية منسوخة (٣)
حجة القائلين بأن الآية محكمة:
حجتهم في ذلك أنه لا تعارض بين الآيتين، وأنه يمكن الجمع بينهما.
فإن قوله تعالى: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ (٤) فيه التخيير، وقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ فيه كيفية الحكم (٥).
قال الطبري: " وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: إن حكم هذه الآية ثابتٌ لم ينسخ، وأن للحكَّام من الخِيار في الحكم بين أهل العهد
_________
(١) التحرير والتنوير، ج ٤، ص ٢٠٤.
(٢) انظر جامع البيان / الطبري، ج ٦، ص ٢٩٥، والمحرر الوجيز / ابن عطية، ج ٢ ص ١٩٤، والتفسير الكبير / الرازي، ج ٤، ص ٣٦١، والجامع لأحكام القرآن/ القرطبي، ج ٦، ص ١٨١، والبحر المحيط / أبو حيان، ج ٣، ص ٥٠٢، وروح المعاني / الألوسي، ج ٣، ص ٣١٠، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج ٤، ص ١٤٦.
(٣) انظر تفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج ٥، ص ٢٢٦، وفتح القدير / الشوكاني، ج ٢، ص ٤٢.
(٤) سورة المائدة، الآية (٤٢).
(٥) انظر زاد المسير / ابن الجوزي، ج ١، ص ٥٥٠، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج ٤، ص ١٤٦.


الصفحة التالية
Icon