إذا ارتفعوا إليهم فاحتكموا، وتركِ الحكم بينهم والنظر، مثلُ الذي جعله الله لرسوله - ﷺ - من ذلك في هذه الآية " (١).
وساق الرازي قول الشافعي، وفيه تفصيل: أنه يجب على حاكم المسلمين أن يحكم بين أهل الذمة إذا تحاكموا إليه، لأن في إمضاء حكم الإسلام عليهم صغاراً لهم، فأما المعاهدون الذين لهم مع المسلمين عهد إلى مدة فليس بواجب على الحاكم أن يحكم بينهم بل يتخير في ذلك، وهذا التخيير الذي في هذه الآية مخصوص بالمعاهدين (٢).
حجة القائلين بأن الآية منسوخة:
مدَّعو النسخ هنا بنوه على أن الآية إنما أنزلت أول ما قدم النبي - ﷺ - المدينة، واليهود فيها يومئذ كثير فكان الأرعى لهم والأصلح أن يُردوا إلى حكامهم فلما قوي الإسلام أنزل الله عز وجل: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ (٣) (٤).
كما استدل أصحاب هذا القول بما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال: " نسخ من هذه السورة آيتان: آية القلائد، وقوله: " فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم " ردهم إلى حكامهم حتى نزلت ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ قال: فأمر رسول الله - ﷺ - أن يحكم بينهم بما أنزل الله " (٥).
_________
(١) جامع البيان / الطبري، ج ٦، ص ٢٩٥.
(٢) انظر التفسير الكبير / الرازي، ج ٤، ص ٣٦١.
(٣) سورة المائدة، الآية (٤٩).
(٤) انظر الناسخ والمنسوخ / النحاس، ج ١، ص ٣٩٧.
(٥) أخرجه النسائي في السنن الكبرى، باب مواريث المجوس، ج ١، ص ٨٠، ح- ٦٣٦٩.


الصفحة التالية
Icon