مأمورين بالاحتراز عن تلك الخواطر التي كانوا عاجزين عن دفعها، وذلك باطل، لأن التكليف قط ما ورد إلا بما في القدرة، ولذلك قال عليه السلام: «بعثت بالحنيفية السهلة السمحة».
والثاني: أن النسخ إنما يحتاج إليه لو دلت الآية على حصول العقاب على تلك الخواطر، وقد بينا أن الآية لا تدل على ذلك.
والثالث: أن نسخ الخبر لا يجوز إنما الجائز هو نسخ الأوامر والنواهي " (١).
كما أنه يقال فيما روي عن ابن عباس وغيره في أن الآية منسوخة فإن ذلك يريد به تخصيص العموم والمتقدمون يسمون التخصيص نسخا.
٣ - مثال الدراية:
قال تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ (٢).
اختلف المفسرون في تفسير قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ﴾ على عدة أقوال، وقد ساق هذا الخلاف ابن عاشور في تفسيره فقال: "
منهم من ذهب إلى أن المراد بقوله: لا أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا، أي لا أدري ما يفعل بي! أُخرج كما أُخرِجَت الأنبياء من قبلي، أو أُقتل كما قُتل الأنبياء من قبلي ولا أدري ما يفعل بكم، إنكم مصدقون أو مكذبون، أو
_________
(١) التفسير الكبير / الرازي، ج ٣، ص ١٠٥.
(٢) سورة الأحقاف، الآية (٩).


الصفحة التالية
Icon