اختلف القراء في قراءة الأرحام بين نصب الميم وكسرها (١)، وقد ساق ابن عاشور هذا الخلاف في تفسيره فقال: " ﴿وَالْأَرْحَامَ﴾ قرأه الجمهور بالنصب عطفاً على اسم الله،
وقرأه حمزة بالجرّ عطفاً على الضمير المجرور، فعلى قراءة الجمهور يكون: "الأرحام " مأموراً بتقواها على المعنى المصدري أي اتّقائها، وهو على حذف مضاف، أي اتّقاء حقوقها، فهو من استعمال المشترك في معنييه، وعلى هذه القراءة فالآية ابتداء تشريع وهو ممّا أشار إليه قوله تعالى: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ وعلى قراءة حمزة يكون: تعظيماً لشأن الأرحام أي التي يسأل بعضكم بعضاً بها، وذلك قول العرب: «ناشدتك اللَّه والرحم» (٢).
كما روي في «الصحيح»: أنّ النبي - ﷺ - حين قرأ على عتبة بن ربيعة سورة فصّلت حتّى بلغ: ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ (٣) فأخذت عتبة رهبة وقال: ناشدتك اللَّه والرحم " (٤).
ومما يدل على استحضار ابن عاشور لهذه القاعدة في تفسيره أنه بعد أن أشار إلى تضعيف النحاة لقراءة الجر قال: " وهو ظاهر محمل هذه الرواية، وإن
_________
(١) وهاتان القراءتان متواترتان. انظر السبعة / ابن مجاهد، ص ٢٢٦، والتيسير / الداني، ص ٩٣، ومتن الشاطبية / الشاطبي، ص ٨٨، والنشر في القراءات العشر / ابن الجزري، ج ٢، ص ١٨٦، والبدور الزاهرة / عبد الفتاح القاضي، ص ٧٣.
(٢) التحرير والتنوير، ج ٣، ص ٢١٧.
(٣) سورة فصلت، الآية (١٣).
(٤) التحرير والتنوير، ج ٣، ص ٢١٧.