أباه جمهور النحاة استعظاماً لعطف الاسم على الضمير المجرور بدون إعادة الجارّ، حتّى قال المبرّد: «لو قرأ الإمام بهاته القراءة لأخذت نعلي وخرجت من الصلاة» وهذا من ضيق العطن وغرور بأنّ العربية منحصرة فيما يعلمه " (١).
وممن استحضر هذه القاعدة من المفسرين وذهب إلى ما ذهب إليه ابن عاشور: الرازي والقرطبي، وأبو حيان، وابن كثير، والألوسي، والقاسمي، حيث ذكروا كلا القراءتين وأخذوا بها وبمعناها، وذلك بناء على أن كلا القراءتين متواترتان (٢).
في حين أن الشوكاني وقف موقفاً مختلفاً حيث أخذ بقراءة الجر مع أنه لا يرى أنها متواترة، وإنما احتج بها لورود مثلها في أشعار العرب، كما في قول بعضهم:
وحسبك والضحاك سيف مهند...
وقول الآخر:

وقد رام آفاق السماء فلم يجد له مصعداً فيها ولا الأرض مقعداً
فسواها في موضع جرّ عطفاً على الضمير في فيها.
ومنه قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ﴾ (٣) (٤).
_________
(١) التحرير والتنوير، ج ٣، ص ٢١٧ - ٢١٨.
(٢) انظر التفسير الكبير / الرازي، ج ٣، ص ٤٧٩، والجامع لأحكام القرآن / القرطبي، ج ٥، ص ٩، والبحر المحيط / أبو حيان، ج ٣، ص ١٦٧، وتفسير القرآن العظيم / ابن كثير، ج ٣، ص ٣٣٤، وروح المعاني / الألوسي، ج ٢، ص ٣٩٦، ومحاسن التأويل / القاسمي، ج ٣، ص ٨.
(٣) سورة الحجر، الآية (٢٠).
(٤) انظر فتح القدير / الشوكاني، ج ١، ص ٤١٨.


الصفحة التالية
Icon