تحسبن)، ومنهم من قرأها بياء الغيبة (لا يحسبن) (١)، وقد ساق ابن عاشور هذا الخلاف في تفسيره فقال: " وقراءة الجمهور: (تحسبن) بتاء الخطاب، وقرأ ابن عامر وحمزة وحده بياء الغيبة فصار (الذين كفروا) فاعلّ (يحسبن) فيبقى لـ (يحسبن) مفعول واحد هو (معجزين) " (٢).
ويتضح من هذا المثال تطبيق ابن عاشور لهذه القاعدة حيث أخذ بكلا القراءتين كما ردّ على أبي حاتم، والنحاس، والفرّاء تضعيفهم هذه القراءة؛ لأن فعل الحسبان يقتضي مفعولين، وذكر أن هذا جرأة على قراءة متواترة، وذلك بناء على مايراه ويراه غيره من المفسرين من أن القراءات المتواترة حق كلها نصاً ومعنى لا يجوز ردها أو رد معناها.
ثم ذكر ابن عاشور قول الزجاج بأن المفعول الأول محذوف تقديره: أنفسهم، وحسّن قوله فقال: " وقد وفق لأن الحذف ليس بعزيز في الكلام. كما قوّى قول الزمخشري أن (في الأرض) هو المفعول الثاني، أي لا يحسبوا ناساً معجزين في الأرض (يعني ما من كائن في الأرض إلا وهو في متناول قدرة الله إن شاء أخذه، أي فلا ملجأ لهم في الأرض كلها) بقوله: «وهذا معنى قوي جيّد» " (٣).
_________
(١) وهاتان القراءتان متواترتان، انظر التيسير في القراءات السبع / الداني، ص ١٦٣، النشر في القراءات العشر، ج ٢، ص ٢٤٩، وإملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات / العكبري، ص ٤٥٥، والبدور الزاهرة / عبد الفتاح القاضي، ص ٢٢٣.
(٢) التحرير والتنوير، ج ٩، ص ٢٩٠.
(٣) التحرير والتنوير، ج ٩، ص ٢٩٠.


الصفحة التالية
Icon