﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ﴾ (١) أي عموم الإنسان، وإن كان المقصود الأول بذلك الشخص الكافر، لأن الآيات فيها من الوعيد وهو المعني الأول بهذا الوعيد وهو ما رجحه ابن عاشور، وهو الأنسب بالسياق، والآية بحسب السابق واللاحق في سياق الحديث عن المشركين، لأن الله تعالى يقول في الآيات قبلها: ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ﴾ (٢)، ومعنى تحيد تفر وتهرب، وهو مستعار للكراهية.
قال ابن عاشور: " والخطاب للمقصود من الإنسان وبالمقصود الأول منه وهم المشركون لأنهم أشدّ كراهية للموت لأن حياتهم مادية مَحضة فهم يريدون طول الحياة قال تعالى: ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (٣) إذ لا أمل لهم في حياة أخرى ولا أمل لهم في تحصيل نعيمها، فأما المؤمنون فإن كراهتهم للموت المرتكزة في الجبلة بمقدار الإلف لا تبلغ بهم إلى حد الجزع منه. وفي الحديث «من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (٤)، وتأويله بالمؤمن يحب لقاء الله للطمع في الثواب،
_________
(١) سورة ق، الآية (١٦).
(٢) سورة ق، الآية (١٩).
(٣) سورة البقرة، الآية (٩٦).
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ج ٥، ص ٢٣٨٦، ح- ٦١٤٢، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ج ٤، ص ٢٠٦٥، ح- ٢٦٨٣.