وقول ابن عاشور هذا يدل على مدى استحضاره للقاعدة، وقد قرر هذه القاعدة في أكثر من موضع في تفسيره، ومن ذلك قوله: " و (هؤلاء) إشارة إلى غير مذكور في الكلام، وقد استقريْتُ أن مصطلح القرآن أن يريد بمثله مشركي العرب، ولم أر من اهتدى للتنبيه عليه، وقد قدّمتهُ عند قوله تعالى: ﴿وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا﴾ (١) في سورة النساء وفي مواضع أخرى " (٢).
ومما يرجح هذا القول القاعدة الترجيحية التالية: (القول الذي يدل عليه السياق أولى من غيره) وهي قاعدة نصّ عليها ابن عاشور في تفسيره، وعمل بها كما تقدم، وسياق الآية وما قبلها من الآيات يدل على أن المراد بهم مشركو مكة، وقد بين هذا البقاعي في" نظم الدرر"، والألوسي في تفسيره، وقد تقدم قولهما عند الحديث عن حجة أصحاب هذا القول....
٣ - مثال " الناس ":
قال تعالى: ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ (٣)
اختلف المفسرون في المراد بالناس في هذه الآية على ثلاثة أقوال:
_________
(١) سورة النساء، الآية (٤١).
(٢) التحرير والتنوير، ج ١٢، ص ١٩٧.
(٣) سورة الفتح، الآية (٢٠).