السفارة وهو: السعي بين القوم " (١).
ومما يعضد هذا القول قاعدة: (إذا ثبت الحديث وكان في معنى أحد الأقوال فهو مرجح له) وهذه القاعدة قد استدل بها ابن عاشور ابتداءً أيضا في ترجيحه لهذا القول، حيث يقول: " ورد وصف البررة صفة للملائكة في الحديث الصحيح " الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة " (٢) وقد تقدم.
والذي ظهر لي بعد النظر في تلك الأقوال في معنى السفرة: أنه لا خلاف حقيقي بين بعض المفسرين في معنى السفرة، وليس هناك تناقض في أقوال ابن عباس - رضي الله عنه - في معنى السفرة؛ فقول ابن عباس - رضي الله عنه -: إن المقصود بالسفرة الكتبة، يعني الكتبة من الملائكة وكذلك تفسيره السفرة بالقراء، فإنه ينزل على الملائكة فهم قراء لما يأتون به.
وقال أبو السعود: " بأيدي سفرة أي كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على أنه جمع سافر من السفر وهو الكتب، وقيل بأيدي رسل من الملائكة يسفرون بالوحي بينه تعالى وبين الأنبياء على أنه جمع سفيرا من السفارة، وحملُهم على الأنبياءِ عليهم السلامُ بعيدٌ فإن وظيفتَهم التلقِّي من الوَحْي لا الكتبُ منه وإرشادُ الأمةِ بالأمرِ والنَّهي وتعليمُ الشرائعِ والأحكامِ لا مجردُ السفارةِ إليهم " (٣).
وأبعد منه من قال: هم أصحاب النبي - ﷺ -، وقد ردّ ابن العربي هذا القول
_________
(١) معاني القرآن / الفراء، ج ٣، ص ٢٣٦.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم / أبو السعود، ٩، ص ١٠٩.


الصفحة التالية
Icon