قال الرازي: " ومن الناس من طعن في هذا التأويل وقال: هذا القتل غير محرم واحتج عليه بوجوه:
الأول: روي أن رجلاً من المهاجرين حمل على صف العدو، فصاح به الناس، فألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -: نحن أعلم بهذه الآية وإنما نزلت فينا: صحبنا رسول الله - ﷺ - ونصرناه وشهدنا معه المشاهد فلما قوي الإسلام وكثر أهله رجعنا إلى أهالينا وأموالنا وتصالحنا، فكانت التهلكة الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد " (١)
والثاني: روى الشافعي أن رسول الله - ﷺ - ذكر الجنة، فقال له رجل من الأنصار: أرأيت يا رسول الله إن قُتِلتُ صابراً محتسباً؟ قال - ﷺ -: «لك الجنة» فانغمس في جماعة العدو فقتلوه بين يدي رسول الله - ﷺ -، وأن رجلاً من الأنصار ألقى درعاً كانت عليه حين ذكر النبي - ﷺ - الجنة ثم انغمس في العدو فقتلوه (٢).
والثالث: روي أن رجلاً من الأنصار تخلف عن بني معاوية فرأى الطير عكوفاً على من قتل من أصحابه، فقال لبعض من معه: سأتقدم إلى العدو فيقتلونني، ولا أتخلف عن مشهد قتل فيه أصحابي، ففعل ذلك فذكروا ذلك للنبي - ﷺ -، فقال فيه قولا حسناً (٣) (٤)
_________
(١) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله، باب ومن سورة البقرة، ج ٥، ص ٢١٢، ح- ٢٩٧٢، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب.
(٢) أخرجه الشافعي في الأم، ج ٤، ص ٢٤٢.
(٣) أخرجه البيهقي في الكبرى، باب جواز انفراد الرجل والرجال بالغزو، ج ٩، ص ١٠٠، ح- ١٧٩٧٩.
(٤) انظر التفسير الكبير/ الرازي، ج ٢، ص ٢٩٥.