٣ - قاعدة: الفعل القبيح لا يليق إسناده إلى الله تعالى حقيقة:
ذكر ابن عاشور هذه القاعدة في معرض تفسيره لقوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (١) فقال: " وفعل: (يستهزئ) المسند إلى الله ليس مستعملاً في حقيقته، لأن المراد هنا أنه يفعل بهم في الدنيا ما يُسمى بالاستهزاء بدليل قوله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ ولم يقع استهزاء حقيقي في الدنيا فهو إما تمثيل لمعاملة الله إياهم في مقابلة استهزائهم بالمؤمنين، بما يشبه فعل المستهزئ بهم وذلك بالإملاء لهم حتى يظنوا أنهم سلموا من المؤاخذة على استهزائهم فيظنوا أن الله راض عنهم أو أن أَصنامهم نفعوهم حتى إذا نزل بهم عذاب الدنيا من القتل والفضح علموا خلافَ ما توهموا فكان ذلك كهيئة الاستهزاء بهم، والمضارع في قوله: (يستهزئ) لزمن الحال. ولا يحمل على اتصاف الله بالاستهزاء حقيقة عند الأشاعرة لأنه لم يقع من الله معنى الاستهزاء في الدنيا، ويحسن هذا التمثيل ما فيه من المشاكلة. ويجوز أن يكون ﴿يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ حقيقة يوم القيامة بأن يأمر بالاستهزاء بهم في الموقف وهو نوع من العقاب فيكون المضارع في (يستهزئ) للاستقبال، وإلى هذا المعنى نَحَا ابن عباس والحسن في نقل ابن عطية، ويجوز أن يكون مراداً به جزاءُ استهزائهم من العذاب أو نحوه من الإذلال والتحقير والمعنى يذلهم وعبر عنه بالاستهزاء مجازاً ومشاكلة، أو مراداً به مآلُ الاستهزاء من رجوع الوبال
_________
(١) سورة البقرة، الآية (١٥).


الصفحة التالية
Icon