فإن قلت: فقد قال: (اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق: ١] فقدم الفعل، قلت: هناك تقديم الفعل أوقع؛ لأنها أول سورة نزلت؛ فكان الأمر بالقراءة أهم. فإن قلت: ما معنى تعلق اسم الله بالقراءة؟ قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن يتعلق بها تعلق القلم بالكتبة في قولك: كتبت بالقلم، على معنى: أن المؤمن لما اعتقد أن فعله لا يجيء معتداً به في الشرع واقعاً على السنة حتى يصدر بذكر اسم الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر" إلا كان فعلاً كلا فعل، جعل فعله مفعولاً (بسم الله)، كما يفعل الكتب بالقلم.
والثاني: أن يتعلق بها تعلق الدهن بالإنبات في قوله: (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون: ٢٠] على معنى: متبركاً باسم الله أقرأ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاختصاص لتقديم الخبر على المبتدأ، فالخصم إن ساعدك في دعواك أن "بسم الله" يفيد الاختصاص، فلا يجدي هذا شيئاً، وإن لم يساعدك عليه، لم يساعد على هذا أيضاً؛ لأن الكلام فيه كالكلام على الأول. وإنما قلنا: لتقديم الخبر على المبتدأ؛ لأن (مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) بمعنى الإجراء والإرساء، ولا يقدم معمول المصدر عليه. والحق أن قوله: "والدليل عليه" أي: على تقدير تأخير المقدر وتقديم "بسم الله"، للاهتمام سواء كان على عامله أو على المبتدأ؛ لأن تقدير المقدر مؤخراً، وتقديم "بسم الله" للأهمية وهو الذي سيق الكلام لأجله، والدليل عليه قوله: "لم قدرت المحذوف متأخراً" يعني: قدمنا هذا الاسم للأهمية كما ورد في كلام السلف؛ يعني تقديم هذا الاسم سنة جارية من قديم الزمان، فإن الأمم السالفة درجت على هذا، فعلى هذا التقدير ورود السؤال الآتي ظاهر الارتباط بناءً على وجود الفاء فيه؛ لأنه علم من تتبع كلامه أن كل سؤال له بعد "فإن قلت" إذا تصدر بالفاء يكون مسبباً عما قبله، أي: لم زعمت أن تقديم هذا الاسم أهم مطلقاً، فقد جاء متأخراً في قوله: (اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق: ١]؟ فأجاب بما اقتضاه المقام وهو أهمية القراءة.
قوله: (متبركاً باسم الله أقرأ)، اعلم أن تنزيل هذا التقدير على معنى قوله: "فوجب أن


الصفحة التالية
Icon