فإن قلت: فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه؟ والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اجتنب ها هنا ما هو مخالف لمذهبه. وجاء في تفسير (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة: ٧] أن معنى الغضب إرادة الانتقام. والبحث في الموضعين سواء. وهم وإن أثبتوا الإرادة لكنهم لم يجعلوها صفة ذات.
وقلت: إن المصنف ما أخطر بباله ذلك بل أجرى الرحمة والغضب في الموضعين على التمثيل والاستعارة، فلابد من تقدير الإرادة هاهنا أيضاً؛ ألا ترى كيف صرح بالتشبيه فيهما حيث قال هاهنا: "إن الملك إذا عطف على رعيته"، وقال هناك: "ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده"؟ !
قوله: (فلم قدم ما هو أبلغ)، وهذا مقام تكلم فيه العلماء فلابد من عد أقوالهم.
قال صاحب "التقريب": وإنما قدم أعلى الوصفين، والقياس تقديم أدناهما كجواد فياض؛ لأن ذلك القياس فيما كان الثاني من جنس الأول، وفيه زيادة، والرحمن يتناول جلائل النعم وأصولها، والرحيم دقائقها وفروعها، فلم يكن في الثاني زيادة على الأول، كأنه جنس آخر فيقال: لما ثبت أن الرحمن أبلغ من الرحيم في تأدية معنى الرحمة، صح الترقي من الرحيم إليه؛ لأن معنى الترقي: هو أن يذكر معنى ثم يردف بما هو أبلغ منه.
ثم نقول: ما تريد بقولك: فيما كان الثاني من جنس الأول؟ إن أردت أن الجنسية معتبرة


الصفحة التالية
Icon