وهو الثناء والنداء على الجميل من نعمة وغيرها،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقال القاضي: الحمد هو الثناء على الجميل الاختياري من نعمة أو غيرها، والمدح هو الثناء على الجميل مطلقاً، تقول: حمدت زيداً على علمه وكرمه، ولا تقول: حمدته على حسنه؛ بل مدحته.
وقال الإمام: وإنما خص الحمد ها هنا دون المدح ليؤذن بالفعل الاختياري، ودون الشكر ليعم الإحسان والفضائل. ولعمري إن المقام يقتضي ما قال، لما أسلفنا أن "الفاتحة" هي أم القرآن؛ لاشتمالها على المعاني التي في القرآن، وأنها بنيت على إجمال ما يحتويه القرآن مفصلاً، وأنها واقعة في مطلع التنزيل، والبلاغة فيه: أن يتضمن ما سيق الكلام له كما سبق في شرح الخطبة. فينبغي أن لا يقيد شيء من كلماتها ما أمكن الحمل على الإطلاق، فنحن بعون الله تعالى نراعي هذه الشريطة في التقرير؛ فما وافقنا المصنف فيها نتبعه، وما خالفنا نقف عنده ونجري الكلام على سننه. نعم فيها كلمات ثلاث خصت بمعان مهمة في التوحيد فتقتضي مزيد اختصاص به تعالى، إحداها: اللام في "لله" والكلمتان الأخريان: الصيغتان المنصوبتان وهما: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فأنهما مخصوصتان لغة ومعنى وتركيباً، والتاء في "أنعمت"، فانظر إلى أسرار كلام الله المجيد. ولله در القائل:

أنعى إليك قلوباً طالما هطلت سحائب الوحي فيها أبحر الحكم
قوله: (النداء على الجميل)، أي: رفع الصوت بالثناء على الجميل. خص النداء لما قرر أن الحمد: هو الشكر باللسان، فبالغ في الإظهار والإشادة، وأشار بقوله: "على حسبه وشجاعته" إلى الأفعال الاختيارية.


الصفحة التالية
Icon