تقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسبه وشجاعته. وأما الشكر، فعلى النعمة خاصة، وهو بالقلب واللسان والجوارح. قال:

أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا
والحمد باللسان وحده، فهو إحدى شعب الشكر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لم يحمده"، وإنما جعله رأس الشكر؛ لأن ذكر النعمة باللسان والثناء على موليها أشيع لها، وأدل على مكانها من الاعتقاد، وإدآب الجوارح؛ لخفاء عمل القلب، وما في عمل الجوارح من الاحتمال، بخلاف عمل اللسان، وهو النطق الذي يفصح عن كل خفي، ويجلي ويجلي كل مشتبه.
والحمد نقيضه الذم، والشكر نقيضه الكفران،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (وهو بالقلب واللسان والجوارح)، وعرف الشكر: بأنه تعظيم المنعم بالقلب، وثناؤه باللسان، وتحقيق مراضيه بالجوارح.
قلت: هذا بحسب عرف أهل الأصول؛ فإنهم يقولون: شكر المنعم واجب، ويريدون به وجوب العبادة، والعبادة لا تتم إلا بهذه الثلاثة، وإلا فالشكر اللغوي ليس إلا باللسان كما سبق.
قوله: (الحمد رأس الشكر)، لم أجده في "الأصول"، لكن ذكر ابن الأثير في "النهاية": ومنه الحديث: "الحمد رأس الشكر، ما شكر الله عبد لم يحمده"، كما أن كلمة الإخلاص رأس الإيمان، وإنما كان رأس الشكر؛ لأن فيه إظهار النعمة والإشادة بها.
قوله: (وإدآب الجوارح)، أي: إتعابها. النهاية: دأب في العمل: إذا جد وتعب، إلا أن العرب حولت معناه إلى العادة والشأن.
قوله: (نقيضه)، أي: مقابله، وإنما كان الذم نقيض الحمد لاختصاصه باللسان أيضاً،


الصفحة التالية
Icon