عليك القرآن) (لِتَشْقى) لتتعب بفرط تأسفك عليهم وعلى كفرهم، وتحسرك على أن يؤمنوا كقوله تعالى: (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ) [الشعراء: ٣]، والشقاء يجيء في معنى التعب. ومنه المثل: "أتعب من رائض مهر"، أى: ما عليك إلا أن تبلغ وتذكر، ولم يكتب عليك أن يؤمنوا لا محالة، بعد أن لم تفرط في أداء الرسالة والموعظة الحسنة. وقيل: إن أبا جهل والنضر بن الحارث قالا له: إنك شقى لأنك تركت دين آبائك، فأريد ردّ ذلك بأن دين الإسلام وهذا القرآن هو السلم إلى نيل كل فوز، والسبب في درك كل سعادة، وما فيه الكفرة هو الشقاوة بعينها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان مبتدأ خبره: (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى)، ولابد في الجملة إذا وقعت خبرا ًمن عائد، وهنا أقيم مقام العائد (الْقُرْآنَ)، وهو إما اسمٌ للسورة، فاستغنى عن الضمير به إشعاراً بالعلية وإيذاناً بأن ما هو رحمةٌ لك لا يكون إنزاله لشقاوتك، أو القرآن كله، فاكتفى عن الضمير بالعموم، كما في قول: نعم الرجل زيدٌ، في وجه، وقد أشار إلى الوجهين بقوله: لأنها قرآن.
قوله: (والشقاء يجيء في معنى التعب)، قال تعالى: (فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) [طه: ١١٧]، أي: فتتعب، الأساس: ولم يزل في شقاء من امرأته في تعب، وما زلت تُشاقي فلاناً منذ اليوم مشاقاة تعاسره ويعاسرك.
قوله: (أتعبُ من رائض مُهر)، قال الميداني: هو كقولهم: لا يعدم شقي مهرا، يريد أن معالجة المهارة شقاءٌ، لما فيها من التعب.
قوله: (فأريد رد ذلك)، أي: قوله تعالى: (طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) رد لقول المشركين: إنك تشقى بتركك دين آبائك، وتعريضٌ بأنهم الأشقياء؛ لأن (طه) إذا جُعل اسماً للسورة و (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) خبره، يكون "القرآن" من وضع المُظهر موضع المضمر لما ذكرنا، وللتفخيم تعظيماً له، وأنه هو السُّلمُ في نيل كل فوزٍ وسعادة، ومن